ثم وبخهم - سبحانه - على غفلتهم وعنادهم فقال : { أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بهاذآ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } .
والأحلام : جمع حِلْم - بكسر الحاء - والمراد بها هنا : العقول . وكان شيوخ قريش يدعون بذى الأحلام والنهى .
ويطلق الحلم فى الأصل على ضبط النفس عن هيجان الغضب . وأطلق هنا على العقل لكونه منشأ له .
أى : بل أتأمرهم عقولهم التى زعموا سلامتها ، بأن يقولوا فى شأنك - أيها الرسول الكريم - إنك شاعر أم مجنون ؟
لا ، إن أى عقل سليم لم يأمرهم بذلك ، وإنما هم قوم دأبهم الطغيان والعناد وتجاوز الحدود التى لا يجوز تجاوزها .
والعقول إذا استعملت فى الشرور والآثام ، ضاع رشدها ، وفقدت سلامتها .
ولقد قيل لعمرو بن العاص . رضى الله عنه - : ما بال قومك لم يؤمنوا وهم أصحاب الأحلام ؟ فقال : تلك عقول كادها الله - تعالى - أى : لم يصحبها التوفيق والرشاد .
ولقد كان شيوخ قريش يلقبون بذوي الحلوم . أو ذوي الأحلام . إشارة إلى رجاحة عقولهم وحكمتهم في تصريف الأمور . فهو يتهكم بهم وبأحلامهم تجاه الإسلام . وموقفهم منه ينافي الحكمة والعقل ، فيسأل في تهكم : أهذه الأوصاف التي يصفون بها محمدا [ صلى الله عليه وسلم ] وتلك المواقف التي يقفونها من رسالته كانت من وحي أحلامهم ? أم أنهم طغاة ظالمون لا يقفون عند ما تمليه الأحلام والعقول :
( أم تأمرهم أحلامهم بهذا ? أم هم قوم طاغون ) !
وفي السؤال الأول تهكم لاذع . وفي السؤال الثاني اتهام مزر . وواحد منهما لا بد لاحق بهم في موقفهم المريب !
القول في تأويل قوله تعالى : { أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهََذَآ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * أَمْ يَقُولُونَ تَقَوّلَهُ بَل لاّ يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } .
يقول تعالى ذكره : أتأمر هؤلاء المشركين أحلامهم بأن يقولوا لمحمد صلى الله عليه وسلم : هو شاعر ، وأن ما جاء به شعر أمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ يقول جلّ ثناؤه : ما تأمرهم بذلك أحلامهم وعقولهم «بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ » قد طَغَوا على ربهم ، فتجاوزوا ما أذن لهم وأمرهم به من الإيمان إلى الكفر به . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أمْ تَأْمُرُهُمْ أحْلامُهُمْ بِهَذَا قال : كانوا يعدّون في الجاهلية أهل الأحلام ، فقال الله : أم تأمرهم أحلامهم بهذا أن يعبدوا أصناما بُكما . صما ، ويتركوا عبادة الله ، فلم تنفعهم أحلامهم حين كانت لدنياهم ، ولم تكن عقولهم في دينهم ، لم تنفعهم أحلامهم . وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة ، يتأوّل قوله : أمْ تَأْمُرُوهُمْ أحْلامُهُمْ : بل تأمرهم .
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله أمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ أيضا قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن عثمان بن الأسود ، عن مجاهد ، في قوله : أمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ قال : بل هم قوم طاغون .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن عثمان بن الأسود ، عن مجاهد أمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ قال : بل هم قوم طاغون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.