السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَمۡ تَأۡمُرُهُمۡ أَحۡلَٰمُهُم بِهَٰذَآۚ أَمۡ هُمۡ قَوۡمٞ طَاغُونَ} (32)

{ أم تأمرهم } أي : تزين لهم تزييناً يصير ما لهم إليه من الانبعاث كالأمر { أحلامهم } أي عقولهم التي يزعمون أنهم اختصوا بجودتها دون الناس بحيث إنه كان يقال فيهم أولو الأحلام والنهى ، فأزرى الله تعالى بعقولهم حين لم تتم لهم معرفة الحق من الباطل وذلك أنّ الأشياء لا يعبأ بها إلا إن تزينت بعقل أو نقل فقال : هل ورد أمر سمعي أم عقولهم تأمرهم { بهذا } أي : قولهم له ساحر كاهن مجنون وقيل : إلى عبادة الأوثان ، وقيل : إلى التربص أي لا تأمرهم بذلك { أم } أي بل { هم } بظواهرهم وبواطنهم { قوم } ذوو قوة على ما يحاولونه فهم لذلك { طاغون } أي : مفترون ويقولون ما لا دليل عليه سمعاً ولا مقتضى له عقلاً ، والطغيان مجاوزة الحدّ في العصيان وكذلك كل شيء مكروه ظاهر قال تعالى : { لما طغى الماء } [ الحاقة : 11 ] .

تنبيه : اعلم أنّ قوله تعالى : { أم تأمرهم } متصل تقديره : أأنزل عليهم ذكر أم تأمرهم أحلامهم بهذا ، وفي هذه الآية إشارة إلى أنّ كل ما لا يكون على وفق العقل لا ينبغي أن يقال ، وإنما ينبغي أن يقال ما يجب قوله عقلاً والأحلام جمع حلم وهو العقل فهما من باب واحد من حيث المعنى ، لأنّ العقل يضبط المرء فيكون كالبعير المعقول لا يتحرّك من مكانه والحلم من الاحتلام وهو أيضاً سبب وقار المرء وثباته لأنّ الحلم في أصل اللغة هو ما يراه النائم فينزل ويلزم الغسل الذي هو سبب البلوغ وعنده يصير الإنسان مكلفاً ، فالله تعالى من لطيف حكمته قرن الشهوة بالعقل وعند ظهور الشهوة يكمل العقل ويكلف صاحبه فأشار تعالى إلى العقل بالإشارة إلى ما يقارنه وهو الحلم ليعلم أنه يريد به كمال العقل .