التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{عَلَّمَهُۥ شَدِيدُ ٱلۡقُوَىٰ} (5)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك جانبا من صفات جبريل - عليه السلام - الذى ينزل بالقرآن على النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال : { عَلَّمَهُ شَدِيدُ القوى } .

أى : علَّمَ النبىَّ - صلى الله عليه وسلم - القرآن ، ملك من ملائكتنا الكرام ، وهو جبريل - عليه السلام - الذى أعطيناه قوة شديدة ، استطاع بها أن ينفذ ما كلفناه بتنفيذه .

والضمير المنصوب فى " علمه " هو المفعول الأول ، والثانى محذوف . أى : القرآن ، لأن علَّم تتعدى إلى مفعولين .

وقوله : { شَدِيدُ القوى } صفة لموصوف محذوف . أى : ملك شديد القوى .

قالوا : وقد بلغ من شدة قوته ، أنه اقتلع قرى قوم لوط - عليه السلام - ثم رفعها إلى السماء ، ثم قلبها . بأن جعل أعلاها أسفلها . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{عَلَّمَهُۥ شَدِيدُ ٱلۡقُوَىٰ} (5)

( علمه شديد القوى . ذو مرة فاستوى . وهو بالأفق الأعلى . ثم دنا فتدلى . فكان قاب قوسين أو أدنى . فأوحى إلى عبده ما أوحى . ما كذب الفؤاد ما رأى . أفتمارونه على ما يرى ? ) . .

والشديد القوي ذو المرة [ أي القوة ] ، هو جبريل - عليه السلام - وهو الذي علم صاحبكم ما بلغه إليكم .

وهذا هو الطريق ، وهذه هي الرحلة ، مشهودة بدقائقها : استوى وهو بالأفق الأعلى . حيث رآه محمد [ صلى الله عليه وسلم ] وكان ذلك في مبدأ الوحي . حين رآه على صورته التي خلقه الله عليها ، يسد الأفق بخلقه الهائل .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{عَلَّمَهُۥ شَدِيدُ ٱلۡقُوَىٰ} (5)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يعني القوة في كل شيء، يعني جبريل...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"عَلّمَهُ شَدِيدُ القُوَى": يقول تعالى ذكره: عَلّم محمدا، صلى الله عليه وسلم، هذا القرآن جبريلُ عليه السلام، وعُنِي بقوله: "شَديدُ القُوَى": شديد الأسباب. والقُوى: جمع قوّة.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

"علمه شديد القوى " في نفسه وعلمه. والقوة هي القدرة. وقد تستعمل القوة بمعنى الشدة التي هي صلابة العقد كقوى الحبل...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{شديد القوى} فيه فوائد:

(الأولى) أن مدح المعلم مدح المتعلم، فلو قال علمه جبريل ولم يصفه ما كان يحصل للنبي صلى الله عليه وسلم فضيلة ظاهرة.

(الثانية) هي أن فيه ردا عليهم حيث قالوا أساطير الأولين سمعها وقت سفره إلى الشام، فقال لم يعلمه أحد من الناس بل معلمه شديد القوى، والإنسان خلق ضعيفا وما أوتي من العلم إلا قليلا.

(الثالثة) فيه وثوق بقول جبريل عليه السلام فقوله تعالى: {علمه شديد القوى} جمع ما يوجب الوثوق لأن قوة الإدراك شرط الوثوق بقول القائل لأنا إن ظننا بواحد فساد ذهن ثم نقل إلينا عن بعض الأكابر مسألة مشكلة لا نثق بقوله ونقول هو ما فهم ما قال، وكذلك قوة الحفظ حتى لا نقول أدركها لكن نسيها وكذلك قوة الأمانة حتى لا نقول حرفها وغيرها فقال: {شديد القوى} ليجمع هذه الشرائط فيصير كقوله تعالى: {ذي قوة عند ذي العرش مكين} إلى أن قال: {أمين}. (الرابعة) في تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وهي من حيث إن الله تعالى لم يكن مختصا بمكان فنسبته إلى جبريل كنسبته إلى محمد صلى الله عليه وسلم فإذا علم بواسطته يكون نقصا عن درجته فقال ليس كذلك لأنه شديد القوى يثبت لمكالمتنا وأنت بعد ما استويت فتكون كموسى حيث خر فكأنه تعالى قد علمه بواسطة ثم علمه من غير واسطة كما قال تعالى: {وعلمك ما لم تكن تعلم}...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

والشديد القوي ذو المرة [أي القوة]، هو جبريل -عليه السلام- وهو الذي علم صاحبكم ما بلغه إليكم. وهذا هو الطريق، وهذه هي الرحلة، مشهودة بدقائقها: استوى وهو بالأفق الأعلى. حيث رآه محمد [صلى الله عليه وسلم] وكان ذلك في مبدأ الوحي. حين رآه على صورته التي خلقه الله عليها، يسد الأفق بخلقه الهائل...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ضمير الغائب في {علمه} عائد إلى الوحي، أو إلى ما عاد إليه ضمير {هو} من قوله: {إن هو إلا وحي}. وضمير {هو} يعود إلى القرآن، وهو ضمير في محلّ أحد مفعولي {علّم} وهو المفعول الأول، والمفعول الثاني محذوف، والتقدير: علمه إياه، يعود إلى {صاحبكم} [النجم: 2] ويجوز جعل هاء {علمه} عائداً إلى {صاحبكم} والمحذوف عائد إلى {وحى} إبطالاً لقول المشركين {إنما يعلمه بشر} [النحل: 103].

و {علّم} هنا مُتعدَ إلى مفعولين لأنه مضاعف {عَلم} المتعدي إلى مفعول واحد.

و {شديد القوى}: صفة لمحذوف يدل عليه ما يذكر بعد مما هو من شؤون الملائكة، أي مَلَك شديد القوى.

واتفق المفسرون على أن المراد به جبريل عليه السلام.

والمراد ب {القوى} استطاعة تنفيذ ما يأمر الله به من الأعمال العظيمة العقلية والجسمانية، فهو الملَك الذي ينزل على الرُّسل بالتبليغ.

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

ويشير كتاب الله في إيجاز وإعجاز إلى أول لقاء وتعارف تم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام في بداية نزول الوحي، عندما بعثه الله على رأس الأربعين، ورأى جبريل على صورته، وذلك قوله تعالى: {علمه شديد القوى5 ذو مرة}، أي: ذو قوة، والمراد به هنا جبريل، {فاستوى6 وهو بالأفق الأعلى 7 ثم دنا فتدلى 8 فكان قاب قوسين أو أدنى9}، أي: على بعد ما بين القوسين أو أدنى، تعبيرا عن منتهى القرب منه، {فأوحى إلى عبده ما أوحى10}، أي: أوحى جبريل إلى عبد الله ورسوله ما أوحاه إليه ربه: {ما كذب الفؤاد ما رأى11}، أي: أن رؤية النبي عليه السلام لجبريل الذي نزل عليه بالوحي كانت رؤية مشاهدة وعيان، ويقين قاطع، بحيث لا تقبل شكا ولا جدالا: {أفتمارونه على ما يرى12}...