التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَإِنَّمَا هِيَ زَجۡرَةٞ وَٰحِدَةٞ} (13)

{ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ . فَإِذَا هُم بالساهرة } .

والزجرة : المرة من الزجر ، وهو الصياح المصحوب بالغضب ، يقال : زجر فلا فلانا ، إذا أمره أو نهاه عن شئ بحدة وغضب .

والساهرة : الأرض المستوية الخالية من النبات .

والمراد بها هنا : الأرض التى يحشر الله - تعالى - فيها الخلائق .

قال القرطبى : قوله : { فَإِذَا هُم بالساهرة } أى : على وجه الأرض ، بعد أن كانوا فى بطنها . سميت بهذا الاسم ، لأن فيها نوم الحيوان وسهرهم ، والعرب تسمى الفلاة ووجه الأرض ساهرة ، بمعنى ذات سهر ، لأنه يسهر فيها خوفا منها ، فوصفها بصفة ما فيها . .

والفاء فى قوله : { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ . . . } للتفريع على قولهم السابق ، وضمير " هى " يعود إلى الحاة والقصة التى أنكروها ، وهى قيام الساعة .

أى : قل لهم - أيها الرسول الكريم - على سبيل التوبيخ والتقريع : ليس الأمر كما زعمتم من أنه لا بثع ولا جزاء . . بل الحق أن ذلك لآت لا ريب فيه ، وأن عودتكم إلى الحياة مرة أخرى لا تقتضى من خالقكم سوى صيحة واحدة يصيحها ملك من ملائكته بكم ، فإذا أنتم قيام من قبوركم ، ومجتمعون فى المكان الذى يحدده الله - تعالى - لاجتماعكم ولحسابكم وجزائكم .

وعبر - سبحانه - عن اجتماعهم بأرض المحشر بإذا الفجائية فقال : { فَإِذَا هُم بالساهرة } للإيذان بأن اجتماعهم هذا سيكون فى نهاية السرعة والخفة ، وأنه سيتحقق فى أعقاب الزجرة بدون أقل تأخير .

ووصف - سبحانه - الزجرة بأنها واحدة ، لتأكيد ما فى صيغة المرة من معنى الوحدة ، أى : أن الأمر لا يقتضى سوى الإِذن منا بصيحة واحدة لا أكثر ، تنهضون بعدها من قبوركم للحساب والجزاء ، نهوضا لا تملكون معه التأخر أو التردد . . والمراد بها : النفخة الثانية .

وقال - سبحانه - { فَإِذَا هُم } بضمير الغيبة ، إهمالا لشأنهم ، وتحقيرا لهم عن استحقاق الخطاب .

وشبيه بهاتين الآيتين قوله - تعالى - : { وَنُفِخَ فِي الصور فَصَعِقَ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض إِلاَّ مَن شَآءَ الله ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } وإلى هنا نجد السورة الكريمة قد حثتنا حديثا بليغا مؤثرا عن أهوال يوم القيامة ، وعن أحوال المجرمين فى هذا اليوم العسير .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَإِنَّمَا هِيَ زَجۡرَةٞ وَٰحِدَةٞ} (13)

هنا - في مواجهة هذا المشهد - يعقب السياق القرآني بحقيقة ما هو كائن :

( فإنما هي زجرة واحدة . فإذا هم بالساهرة ) . .

والزجرة : هي الصيحة . ولكنها تقال هنا بهذا اللفظ العنيف تنسيقا لجو المشهد مع مشاهد السورة جميعا .

والساهرة هي الأرض البيضاء اللامعة . وهي أرض المحشر ، التي لا ندري نحن أين تكون . والخبر عنها لا نعرفه إلا من الخبر الصادق نتلقاه ، فلا نزيد عليه شيئا غير موثوق به ولا مضمون !

وهذه الزجرة الواحدة يغلب - بالاستناد إلى النصوص الأخرى - أنها النفخة الثانية . نفخة البعث والحشر . والتعبير عنها فيه سرعة . وهي ذاتها توحي بالسرعة . وإيقاع السورة كلها فيه هذا اللون من الإسراع والإيجاف . والقلوب الواجفة تأخذ صفتها هذه من سرعة النبض ، فالتناسق ملحوظ في كل حركة وفي كل لمحة ، وفي كل ظل في السياق !