التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَٱلۡعَٰصِفَٰتِ عَصۡفٗا} (2)

للمفسرين فى معنى هذه الصفات الخمس : " المرسلات والعاصفات والناشرات والفارقات والملقيات " اتجاهات ، فمنهم من صدر تفسيره ببيان أن المراد بها الملائكة . فقد قال صاحب الكشاف : أقسم الله بطوائف من الملائكة ، أرسلهن بأوامره فعصفن فى مضيهن كما تعصف الرياح ، تخففا فى امتثال أمره . وبطوائف منهن نشرن أجنحتهن فى الجو عند انحطاطهن بالوحى ، أو نشرن الشرائع فى الأرض . . ففرقن بين الحق والباطل ، فألقين ذكرا إلى الأنبياء عذرا ، للمحقين ، أو نذرا للمبطلين .

فإن قلت : ما معنى عرفا ؟ قلت : متتابعة كشعر العُرْفِ - أى : عرف الفرس - يقال : جاءوا عرفا واحدا ، وهم عليه كعرف الضبع : إذا تألبوا عليه . .

ومنهم من يرى أن المراد بالمرسلات وما بعدها : الرياح ، فقد قال الجمل فى حاشيته : أقسم الله - تعالى - بصفات خمس موصوفها محذوف ، فجعلها بعضهم الرياح فى الكل ، وجعلها بعضهم الملائكة فى الكل . . وغاير بعضهم فجعل الصفات الثلاث الأول ، الموصوف واحد هو الرياح وجعل الرابعة لموصوف ثان وهو الآيات ، وجعل الخامسة لموصوف ثالث وهو الملائكة . .

وسنسير نحن على هذا الرأى الثالث ، لأنه هو تصورنا أقرب الآباء إلى الصواب ، إذ أن هذه الصفات من المناسب أن يكون بعضها للرياح ، وبعهضا للملائكة .

فيكون المعنى : وحق الرياح المرسلات لعذاب المكذبين ، فتعصفهم عصفا ، وتهلكهم إهلاكا شديدا ، فقوله : { عَصْفاً } وصف مؤكد للإِهلاك الشديد ، يقال : عصفت الريح ، إذا اشتدت ، وعصفت الحرب بالقوم ، إذا ذهبت بهم ، وناقة عصوف ، إذا مضت براكبها مسرعة ، حتى لكأنها الريح .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَٱلۡعَٰصِفَٰتِ عَصۡفٗا} (2)

وقوله : فالْعاصِفاتِ عَصْفا يقول جلّ ذكره : فالرياح العاصفات عصفا ، يعني الشديدات الهبوب السريعات الممرّ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن خالد ، عن عُرْعرة أن رجلاً قام إلى عليّ رضي الله عنه ، فقال : ما العاصفات عصفا ؟ قال : الريح .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا المحاربي ، عن المسعودي ، عن سَلَمَة بن كهيل ، عن أبي العُبيدين أنه سأل عبد الله بن مسعود ، فقال : ما العاصفات عصفا ؟ قال : الريح .

حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : أخبرنا النضر بن شميل ، قال : أخبرنا المسعودي ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي العُبيدين ، عن عبد الله ، مثله .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن مسلم البطين ، عن أبي العُبيدين قال : سألت عبد الله بن مسعود ، فذكر مثله .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن مسلم البطين ، عن أبي العُبيدين ، قال : سألت عبد الله ، فذكر مثله .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : فالْعاصِفاتِ عَصْفا قال : الريح .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح فالْعاصِفاتِ عَصْفا قال : هي الرياح .

حدثنا عبد الحميد بن بَيَان ، قال : أخبرنا محمد بن يزيد ، عن إسماعيل قال : سألت أبا صالح عن قوله : فالْعاصِفاتِ عَصْفا قال : هي الرياح .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبيد الله بن معاذ ، قال : ثني أبي ، عن شعبة ، عن إسماعيل السديّ عن أبي صالح صاحب الكلبي ، في قوله فالْعاصِفاتِ عَصْفا قال : هي الرياح .

حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، قال : حدثنا أبو معاوية الضرير وسعيد بن محمد ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، في قوله فالْعاصِفاتِ عَصْفا قال : هي الريح .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح ، مثله .

قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن خالد بن عُرْعرة ، عن عليّ رضي الله عنه فالْعاصِفاتِ عَصْفا قال : الريح .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فالْعاصِفاتِ عَصْفا قال : الرياح .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

   
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَٱلۡعَٰصِفَٰتِ عَصۡفٗا} (2)

1

{ فالعاصفات } تفريع على { المرسلات } ، أي ترسل فتعصف ، والعصف يطلق على قوة هبوب الريح فإن أريد بالمرسلات وصف الرياح فالعصف حقيقة ، وإن أريد بالمرسلات وصفُ الملائكة فالعصف تشبيه لنزولهم في السرعة بشدة الريح وذلك في المبادرة في سرعة الوصول بتنفيذ ما أمروا به .

و { عَصْفاً } مؤكد للوصف تأكيداً لتحقيق الوصف ، إذ لا داعي لإِرادة رفع احتمال المجاز .