التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{عَلَىٰٓ أَن نُّبَدِّلَ خَيۡرٗا مِّنۡهُمۡ وَمَا نَحۡنُ بِمَسۡبُوقِينَ} (41)

{ على أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ } أى : على أن نخلق خلقا آخر خيرا منهم ونهلك هؤلاء المجرمين إهلاكا تاما . . أو على أن نبدل ذواتهم ، فنخلقهم خلقا جديدا يكون خيرا من خلقهم الذى هو عليه . . فإن قدرتنا لا يعجزها شئ .

وقوله { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } معطوف على جواب القسم ومؤكد له . أى : إنا لقادرون على ذلك ، وما نحن بمغلوبين أو عاجزين عن أن نأتى بقوم آخرين خير منهم .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { ياأيها الناس أَنتُمُ الفقرآء إِلَى الله والله هُوَ الغني الحميد . إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ . وَمَا ذَلِكَ عَلَى الله بِعَزِيزٍ } وقوله - سبحانه - { . . . وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم } ، والمقصود بهذه الآيات الكريمة تهديد المشركين وبيان أن قدرته - تعالى - لا يعجزها شئ .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{عَلَىٰٓ أَن نُّبَدِّلَ خَيۡرٗا مِّنۡهُمۡ وَمَا نَحۡنُ بِمَسۡبُوقِينَ} (41)

يقول تعالى ذكره : فلا أقسم بربّ مشارق الأرض ومغاربها إنّا لَقادِرُونَ على أنْ نُبَدّلَ خَيْرا مِنْهُمْ يقول : إنا لقادرون على أن نهلكهم ، ونأتي بخير منهم من الخلق يطيعونني ولا يعصونني وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ يقول تعالى ذكره : وما يفوتنا منهم أحد بأمر نريده منه ، فيعجزنا هربا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا علية ، قال : أخبرنا عمارة بن أبي حفصة ، عن عكرمة ، قال : قال ابن عباس : إن الشمس تطلع كلّ سنة في ثلاث مئة وستين كوّة ، تطلع كلّ يوم في كوّة ، لا ترجع إلى تلك الكوّة إلى ذلك اليوم من العام المقبل ، ولا تطلع إلا وهي كارهة ، تقول : ربّ لا تطلعني على عبادك ، فإني أراهم يعصونك ، يعملون بمعاصيك أراهم ، قال : أو لم تسمعوا إلى قول أمية بن أبي الصلت :

*** حتى تُجَرّ وتُجْلَدَ ***

قلت : يا مولاه وتجلد الشمس ؟ فقال : عَضَضْتَ بِهَنِ أبيك ، إنما اضطره الرويّ إلى الجلد .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني ابن عمارة ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس في قول الله : رَبّ المَشارِقِ والمَغارِبِ قال : إن الشمس تطلع من ثلاث مئة وستين مطلعا ، تطلع كلّ يوم من مطلع لا تعود فيه إلى قابل ، ولا تطلع إلا وهي كارهة ، قال عكرِمة : فقلت له : قد قال الشاعر :

*** حتى تُجَرّ وتُجْلَد ***

قال : فقال ابن عباس : عضِضت بهن أبيك ، إنما اضطره الرويّ .

حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : أخبرنا النضر ، قال : أخبرنا شعبة ، قال : أخبرنا عمارة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : إن الشمس تطلع في ثلاث مئة وستين كوّة ، فإذا طلعت في كوّة لم تطلع منها حتى العام المقبل ، ولا تطلع إلا وهي كارهة .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس فَلا أُقْسِمُ بِرَبّ المَشارَقِ وَالمَغارِبِ قال : هو مطلع الشمس ومغربها ، ومطلع القمر ومغربه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{عَلَىٰٓ أَن نُّبَدِّلَ خَيۡرٗا مِّنۡهُمۡ وَمَا نَحۡنُ بِمَسۡبُوقِينَ} (41)

على أن نبدل خيرا منهم أي نهلكهم ونأتي بخلق أمثل منهم أو نعطي محمدا صلى الله عليه وسلم بدلكم من هو خير منكم وهو الأنصار وما نحن بمسبوقين بمغلوبين إن أردنا ذلك .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{عَلَىٰٓ أَن نُّبَدِّلَ خَيۡرٗا مِّنۡهُمۡ وَمَا نَحۡنُ بِمَسۡبُوقِينَ} (41)

وأقسم الله تعالى في هذه الآية بمخلوقاته على إيجاب قدرته على أن يبدل خيراً من ذلك العالم ، وأنه لا يسبقه شيء إلى إرادته .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{عَلَىٰٓ أَن نُّبَدِّلَ خَيۡرٗا مِّنۡهُمۡ وَمَا نَحۡنُ بِمَسۡبُوقِينَ} (41)

وقوله : { على أن نبدل خيراً منهم } يحتمل معنيين : أولهما وهو المناسب للسياق أن يكون المعنى على أن نبدلهم خيراً منهم ، أي نبدل ذواتهم خلقاً خيراً من خلْقهم الذي هم عليه اليوم . والخيرية في الإِتقان والسرعة ونحوهما وإنما كان خلقاً أتقن من النشأة الأولى لأنه خلق مناسب لعالم الخلود ، وكان الخلْق الأول مناسباً لعالم التغير والفناء ، وعلى هذا الوجه يكون { نُبدِّلَ } مضمناً معنى : نعوّض ، ويكون المفعول الأول ل { نبدل } ضميراً مثل ضمير { منهم } أي نبدلهم والمفعولُ الثاني { خيراً منهم } .

و ( مِن ) تفضيلية ، أي خيراً في الخلقة ، والتفضيلُ باعتبار اختلاف زمانَي الخلْق الأول والخلق الثاني ، أو اختلاففِ عالميهما .

والمعنى الثاني : أنْ نبدل هؤلاء بخير منهم ، أي بأمَّة خير منهم ، والخيرية في الإيمان ، فيكون { نبدل } على أصل معناه ، ويكون مفعوله محذوفاً مثل ما في المعنى الأول ، ويكون { خيراً } منصوباً على نزع الخافض وهو باء البدلية كقوله تعالى : { أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير } [ البقرة : 61 ] ، ويكون هذا تهديداً لهم بأنْ سيستأصلهم ويأتيَ بقوم آخرين كما قال تعالى : { إن يشا يذهبكم ويأتتِ بخلق جديد } [ فاطر : 16 ] وقوله : { وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم } [ محمد : 38 ] .

وفي هذا تثبيت للنبيء صلى الله عليه وسلم وتذكير بأن الله عالم بحالهم .

وذيل بقوله : { وما نحن بمسبوقين ، } والمسبوق مستعار للمغلوب عن أمره ، شبه بالمسبوق في الحلبة ، أو بالمسبوق في السير ، وقد تقدم في قوله تعالى : { أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون } [ العنكبوت : 4 ] ، ومنه قول مرة بن عَدَّاء الفقعسي :

كأنكَ لم تُسبَق من الدهر مرة *** إذا أنت أدركتَ الذي كنتَ تطلُب

يريد : كأنك لم تُغلب إذا تداركت أمرك وأدركت طلبتك .

و { على أن نبدل خيراً منهم } مُتعلق ب { مسبوقين } ، أي ما نحن بعاجزين على ذلك التبديل بأمثالكم كما قال في سورة الواقعة ( 61 ) إنا لقادرون { على أن نبدل أمثالكم } .