الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{إِلَّا ٱلَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُۥ سَيَهۡدِينِ} (27)

{ الذى فَطَرَنِى } فيه غير وجه : أن يكون منصوباً على أنه استثناء منقطع ، كأنه قال : لكن الذي فطرني فإنه سيهدين ، وأن يكون مجروراً بدلاً من المجرور بمن ؛ كأنه قال : إنني براء مما تعبدون إلا من الذي فطرني .

فإن قلت : كيف تجعله بدلاً وليس من جنس ما يعبدون من وجهين ، أحدهما : أن ذات الله مخالفة لجميع الذوات ، فكانت مخالفة لذوات ما يعبدون . والثاني ، أن الله تعالى غير معبود بينهم والأوثان معبودة ؟ قلت : قالوا : كانوا يعبدون الله مع أوثانهم ، وأن تكون { إِلاَّ } صفة بمعنى غير ، على أن { مَا } في ما تعبدون موصوفة . تقديره : إنني براء من آلهة تعبدونها غير الذي فطرني ، فهو نظير قوله تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا } [ الأنبياء : 22 ] .

فإن قلت : ما معنى قوله : { سَيَهْدِينِ } على التسويف ؟ قلت : قال مرة : { فَهُوَ يَهْدِينِ } [ الشعراء : 78 ] ومرة { فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } فاجمع بينهما وقدّر ، كأنه قال . فهو يهدين وسيهدين ، فيدلان على استمرار الهداية في الحال والاستقبال .