قوله تعالى : { من نطفة } أي قطعة من الماء .
وقوله تعالى : { إذا تمنى } من أمنى المني إذا نزل أو منى يمني إذا قدر وقوله تعالى : { من نطفة } تنبيه على كمال القدرة لأن النطفة جسم متناسب الأجزاء ، ويخلق الله تعالى منه أعضاء مختلفة وطباعا متباينة وخلق ( الذكر والأنثى ) منها أعجب ما يكون على ما بينا ، ولهذا لم يقدر أحد على أن يدعيه كما لم يقدر أحد على أن يدعي خلق السماوات ، ولهذا قال تعالى : { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } كما قال : { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } .
45 - وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى - من الإنسان والحيوان - من نطفة دافقة{[209]} .
نطفة تمنى . . تراق . . إفراز من إفرازات هذا الجسد الإنساني الكثيرة كالعرق والدمع والمخاط ! فإذا هي بعد فترة مقدورة في تدبير الله . . إذا هي ماذا ? إذا هي إنسان ! وإذا هذا الإنسان ذكر وأنثى ! كيف ? كيف تمت هذه العجيبة التي لم تكن - لولا وقوعها - تخطر على الخيال ? وأين كان هذا الإنسان المركب الشديد التركيب ، المعقد الشديد التعقيد ? أين كان كامنا في النقطة المراقة من تلك النطفة . بل في واحد من ملايين من أجزائها الكثيرة ? أين كان كامنا بعظمه ولحمه وجلده ، وعروقه وشعره وأظافره . وسماته وشياته وملامحه . وخلائقه وطباعه واستعداداته ? ! أين كان في هذه الخلية الميكروسكوبية السابحة هي وملايين من أمثالها في النقطة الواحدة من تلك النطفة التي تمنى ? ! وأين على وجه التخصيص كانت خصائص الذكر وخصائص الأنثى في تلك الخلية . تلك التي انبثقت وأعلنت عن نفسها في الجنين في نهاية المطاف ? !
وأي قلب بشري يقف أمام هذه الحقيقة الهائلة العجيبة . ثم يتمالك أو يتماسك . فضلا على أن يجحد ويتبجح ، ويقول : إنها وقعت هكذا والسلام ! وسارت في طريقها هكذا والسلام ! واهتدت إلى خطها المرسوم هكذا والسلام ! أو يتعالم فيقول : إنها سارت هذه السيرة بحكم ما ركب فيها من استعداد لإعادة نوعها ، شأنها شأن سائر الأحياء المزودة بهذا الاستعداد ! فهذا التفسير يحتاج بدوره إلى تفسير . فمن ذا أودعها هذا الاستعداد ? من ذا أودعها الرغبة الكامنة في حفظ نوعها بإعادته مرة أخرى ? ومن ذا أودعها القدرة على إعادته وهي ضعيفة ضئيلة ? ومن ذا رسم لها الطريق لتسير فيه على هدى ، وتحقق هذه الرغبة الكامنة ? ومن ذا أودع فيها خصائص نوعها لتعيدها ? وما رغبتها هي وما مصلحتها في إعادة نوعها بهذه الخصائص ? لولا أن هنالك إرادة مدبرة من ورائها تريد أمرا ، وتقدر عليه ، وترسم له الطريق ? !
تُمنى : تدفع في الرحم ، من قولهم : أمنى الرجل ومَنَى ، أي : صبّ المنيّ .
45 ، 46- { وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى } .
إنه لأمر عجيب يتكرر كل يوم ، حين تنتقل النطفة من المني الذي يمنى ، وتنتقل ملايين الحيوانات المنوية ، ويسبق أحدها لإخصاب البويضة ، ويتم الخلق لجنين الإنسان أو الحيوان وبعضه يصبح ذكرا وبعضه يصبح أنثى ، ليتم إعمار الكون وتكامله .
قال تعالى : { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى *أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى } . ( القيامة : 34-40 ) .
وقال عز شأنه : { يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } . ( الشورى : 49-50 ) .
وإذا تأملت في عالم الإنسان والحيوان ، والنبات والسحاب وغير ذلك ، وجدت العجب العجاب الذي يدير الرؤوس من أثر القدرة الإلهية ، التي عنيت بحفظ هذا الكون ورعايته ، ومن ذلك خلق الذكر والأنثى من المنيّ الذي يمنى من الذكر ، ويصبّ في الأرحام ، ويتكوّن الجنين في بطن الأم في مراحل متعددة ، ثم يولد الجنين وله حواس متعددة ، وبعضه ذكر وبعضه أنثى .
قال تعالى : { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة . . . } ( النحل : 72 ) .
{ مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى } وهذا من أعظم الأدلة على كمال قدرته وانفراده بالعزة العظيمة ، حيث أوجد تلك الحيوانات ، صغيرها وكبيرها من نطفة ضعيفة{[910]} من ماء مهين ، ثم نماها وكملها ، حتى بلغت ما بلغت ، ثم صار الآدمي منها إما إلى أرفع المقامات في أعلى عليين ، وإما إلى أدنى الحالات في أسفل سافلين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.