مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَيُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۚ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (18)

أما قوله تعالى : { ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم } فالمراد من الآيات ما به يعرف المرء ما ينبغي أن يتمسك به ، ثم بين أنه لكونه عليما حكيما يؤثر بما يجب أن يبينه ويجب أن يطاع لأجل ذلك ، لأن من لا يكون عالما لا يجب قبول تكليفه ، لأنه قد يأمر بما لا ينبغي ، ولأن المكلف إذا أطاعه فقد لا يعلم أنه أطاعه ، وحينئذ لا يبقى للطاعة فائدة ، وأما من كان عالما لكنه لا يكون حكيما فقد يأمره بما لا ينبغي فإذا أطاعه المكلف فقد يعذب المطيع وقد يثيب العاصي ، وحينئذ لا يبقى للطاعة فائدة ، وأما إذا كان عليما حكيما فإنه لا يأمر إلا بما ينبغي ولا يهمل جزاء المستحقين ، فلهذا ذكر هاتين الصفتين وخصهما بالذكر ، وههنا سؤالات :

الأول : الحكيم هو الذي لا يأتي بما لا ينبغي ، وإنما يكون كذلك لو كان عالما بقبح القبيح وعالما بكونه غنيا عنه فيكون العليم داخلا في الحكيم ، فكان ذكر الحكيم مغنيا عنه . هذا على قول المعتزلة ، وأما على قول أهل السنة والجماعة فالحكمة هي العلم فقط ، فذكر العليم الحكيم يكون تكرارا محضا الجواب يحمل ذلك على التأكيد .

السؤال الثاني : قالت المعتزلة دلت الآية على أنه إنما يجب قبول بيان الله تعالى لمجرد كونه عالما حكيما ، والحكيم هو الذي لا يفعل القبائح فتدل الآية على أنه لو كان خالقا للقبائح لما جاز الاعتماد على وعده ووعيده والجواب : الحكم عندنا هو العليم ، وإنما يجوز الاعتماد على قوله لكونه عالما بكل المعلومات ، فإن الجاهل لا اعتماد على قوله البتة .

السؤال الثالث : قالت المعتزلة قوله : { يبين الله لكم } أي لأجلكم ، وهذا يدل على أن أفعاله معللة بالأغراض ، ولأن قوله : { لكم } لا يجوز حمله على ظاهره لأنه ليس الغرض نفس ذواتهم بل الغرض حصول انتفاعهم وطاعتهم وإيمانهم ، فدل هذا على أنه تعالى يريد الإيمان من الكل والجواب : المراد أنه سبحانه فعل بهم ما لو فعله غيره لكان ذلك غرضا .