مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{هَٰذَاۚ وَإِنَّ لِلطَّـٰغِينَ لَشَرَّ مَـَٔابٖ} (55)

قوله تعالى : { هذا وإن للطاغين لشر مآب ، جهنم يصلونها فبئس المهاد ، هذا فليذوقوه حميم وغساق ، وآخر من شكله أزواج ، هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار ، قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار ، قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار ، وقالوا ما لنا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار ، أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار ، إن ذلك لحق تخاصم أهل النار }

اعلم أنه تعالى لما وصف ثواب المتقين ، وصف بعده عقاب الطاغين ، ليكون الوعيد مذكورا عقيب الوعد ، والترهيب عقيب الترغيب .

واعلم أنه تعالى ذكر من أحوال النار أنواعا فالأول : مرجعهم ومآبهم ، فقال : { هذا وإن للطاغين لشر مئاب } وهذا في مقابلة قوله : { وإن للمتقين لحسن مئاب } فبين تعالى أن حال الطاغين مضاد لحال المتقين ، واختلفوا في المراد بالطاغين ، فأكثر المفسرين حملوه على الكفار ، وقال الجبائي : إنه محمول على أصحاب الكبائر سواء كانوا كفارا أو لم يكونوا كذلك ، واحتج الأولون بوجوه الأول : أن قوله : { لشر مئاب } يقتضي أن يكون مآبهم شرا من مآب غيرهم ، وذلك لا يليق إلا بالكفار الثاني : أنه تعالى حكى عنهم أنهم قالوا : { اتخذناهم سخريا } وذلك لا يليق إلا بالكفار ، لأن الفاسق لا يتخذ المؤمن سخريا الثالث : أنه اسم ذم ، والاسم المطلق محمول على الكامل ، والكامل في الطغيان هو الكافر ، واحتج الجبائي على صحة قوله بقوله تعالى : { إن الإنسان ليطغى * أن رءاه استغنى } وهذا يدل على أن الوصف بالطغيان قد يحصل في حق صاحب الكبيرة ، ولأن كل من تجاوز عن تكاليف الله تعالى وتعداها فقد طغى ، إذا عرفت هذا فنقول : قال ابن عباس رضي الله عنهما ، المعنى أن الذين طغوا وكذبوا رسلي لهم شر مآب ، أي شر مرجع ومصير ،