روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{قَالُواْ مَآ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا وَمَآ أَنزَلَ ٱلرَّحۡمَٰنُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا تَكۡذِبُونَ} (15)

{ قَالُواْ } أي أصحاب القرية مخاطبين للثلاثة { مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا } من غير مزية لكم علينا مجبة لاختصاصكم بما تدعونه ، ورفع { بُشّرَ } لانتقاض النفي بالافان ما عملت حملاً على ليس فإذا انتقض نفيها بدخول إلا على الخبر ضعف الشبه فيها فبطل عملها خلافاً ليونس ؛ ومثل صفة { بُشّرَ } ولم يكتسب تعريفاً بالإضافة كما عرف في النحو { وَمَا أَنَزلَ الرحمن مِن شَىْء } مما تدعون من الوحي على أحد وظاهر هذا القول يقتضي إقرارهم بالألوهية لكنهم ينكرون الرسالة ويتوسلون بالأصنام وكان تخصيص هذا الاسم الجليل من بين أسمائه عز وجل لزعمهم أن الرحمة تأبى إنزال الوحي لاستدعائه تكليفاً لا يعود منه نفع له سبحانه ولا يتوقف إيصاله تعالى الثواب إلى البعض عليه ، وقيل ذكر الرحمن في الحكاية لا في المحكي وهم قالوا لا إله ولا رسالة لما في بعض الآثار أنهم قالوا ألنا إله سوى آلهتنا ، والتعبير به لحمله تعالى عليهم ورحمته سبحانه إياهم بعدم تعجيل العذاب آن إنكارهم ولعل ما تقدم أولى وأظهر ولا جزم بصحة ما ينافيه من الأثر .

{ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } فيما تدعون وهذا تصريح بما قدوه من الجملتين السابقتين واختيار تكذبون على كاذبون للدلالة على التجدد .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{قَالُواْ مَآ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا وَمَآ أَنزَلَ ٱلرَّحۡمَٰنُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا تَكۡذِبُونَ} (15)

قوله تعالى : { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ( 13 ) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ( 14 ) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ( 15 ) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ( 16 ) وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ ( 17 ) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 18 ) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ } .

{ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً } أي مثل لهم . وذلك من قولهم : عندي من هذا الضرب كذا . أي من هذا المثال . وهذه الأشياء على ضرب واحد ، أي على مثال واحد .

والمعنى : ومَثِّلْ لهؤلاء المشركين يا محمد مثلا مثل أصحاب القرية . و { أَصْحَابَ } ، منصوب على البدل من قوله : { مثلاً } أو منصوب على أنه مفعول ثان للفعل اضرب{[3889]} والمراد بالقرية : أنطاكية ؛ فقد كان فيها ملك ظالم مشرك ؛ إذ كان يعبد الأصنام فبعث الله إليه ثلاثة من الرسل فكذبهم هو وقومه المشركون . ومن هؤلاء الرسل اثنان أرسلهما الله إلى أهل أنطاكية فكذبوهما { فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } أي قوّيناهما وشددنا أزرهما برسول ثالث أرسلناه إليهم { فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ } قال المرسلون لأهل أنطاكية : أرسلنا الله إليكم لهدايتكم ، ولإبلاغكم دعوة ربكم ، دعوة الحق والتوحيد . لكن المشركين بادروهم بالجحود والتكذيب ؛ إذ { قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا } كيف نؤمن لكم وأنتم بشر كالبشر ، ليس لكم مزية علينا تقتضي اختصاصكم بما تزعمونه من النبوة { وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ } لم ينزل الله من وحي على أحد من الناس . ويفهم من ذلك إقرارهم بالألوهية ، وإن كانوا ينكرون الرسالة ويكذبون النبيين ويعبدون الأصنام لتقربهم إلى الله زلفى { إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } أي ما أنتم إلا كَذَبَة فيما تدعونه وتزعمونه من النبوة .


[3889]:البيان لابن الأنباري ج 2 ص 292