اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالُواْ مَآ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا وَمَآ أَنزَلَ ٱلرَّحۡمَٰنُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا تَكۡذِبُونَ} (15)

قوله : { مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ الرحمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } جعلوا كونهم بشراً مِثلهم دليلاً على عدم الإرسال . وهذا عام في المشركين قالوا في حق محمد عليه ( الصلاة و ) السلام : { أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذكر مِن بَيْنِنَا } [ ص : 8 ] وإنما ظنُّوه دليلاً بناء على أنهم لم يعتقدوا في الله الاختيار وإنما قالوا : إنه موجب بالذات وقد استوينا{[45839]} في البشرية فلا يمكن ( الرجحان ){[45840]} فرد الله تعالى عليهم بقوله : { الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [ الأنعام : 124 ] ، وبقوله : { الله يجتبي إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ ويهدي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } [ الشورى : 13 ] إلى غير ذلك . ثم قالوا : «وَمَا أَنْزَل الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ » وهذا يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون مُتمِّماً لما ذكرو ( ه ){[45841]} فيكون الكل شبهةً واحدة ، والمعنى وما أنزل الله إليكم أحداً فكيف صرتم رسلاً ؟ !

والثاني : أن يكون هذا شبهة أخرى مستقلة وهي أنهم لما قالوا : أنتم بشر مثلنا ، فلا يجوز رُجْحَانُكم علينا . ذكروا الشبهة من جهة النظر إلى المُرْسَلِين ثم قالوا شبهة أخرى من جهة المرسِل{[45842]} وهو أنه تعالى ليس بمنزل شيئاً في هذا العالم ، فإن تصرفه في العالم العلوي فاللَّهُ لم ينزل شيئاً من الأشياء في الدينا فكيف أنزل إليكم ؟ ! .

وقوله تعالى : { الرحمن } إشارة إلى الرد عليهم ، لأن الله تعالى لما كان رَحْمنَ الدُّنْيَا ، والإرسال رحمة فيكف لا ينزل رحمته وهو رَحْمن ؟ ! ثم قال : «إنْ أَنْتُمْ إلاَّ تَكْذِبُونَ » أي ما أنتم إلا كاذبون فيما تزعمون{[45843]} . «إذْ أَرْسَلْنَا إلَيْهِم اثْنَيْنِ » قال وهب : اسمهما يحيى{[45844]} وبولس «فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا » برسول «ثَالِثٍ » وهو شمعون . وقال كعب : الرسولان صَادِق وصدوق والثالث سلوم . وإنما أضاف الله الإرسال إليه ، لأن عيسى عليه ( الصلاة و ) السلام - إنما بعثهم بأمره -عز وجل- .


[45839]:في "ب" استويا وما هو أعلى يوافق ما في الرازي.
[45840]:سقط من "ب".
[45841]:الهاء زيادة من "أ".
[45842]:في "ب" الرسل.
[45843]:في "ب" تزعمونه. وانظر: تفسير العلامة الرازي 26/52.
[45844]:رواه النقاش فيما نقله عنه القرطبي في الجامع 15/14 وانظر أيضا زاد المسير 7/10.