روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَمَا عَلَيۡنَآ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ} (17)

{ وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ البلاغ المبين } إلا بتبليغ رسالته تعالى تبليغاً ظاهراً بيناً بحيث لا يخفى على سامعه ولا يقبل التأويل والحمل على خلاف المراد أصلاً وقد خرجنا من عهدته فلا مؤاخذة علينا من جهة ربنا كذا قيل ، والأولى أن يفسر التبليغ المبين بما قرن بالآيات الشاهدة على الصحة وهم قد بلغوا كذلك بناء على ما روى من أنهم أبرؤا الأكمه وأحيوا الميت أو أنهم فعلوا خارقاً غير ما ذكر ولم ينقل لنا ولم يلتزم في الكتاب الجليل ولا في الآثار ذكر خارق كل رسول كما لا يخفى ، ثم إن ذلك إما معجزة لهم على القول بأنهم رسل الله تعالى بدون واسطة أو كرامة لهم معجزة لمرسلهم عيسى عليه السلام على القول بأنهم رسله عليه السلام ، والمعنى ما علينا من جهة ربنا إلا التبليغ البين بالآيات وقد فعلنا فلا مؤاخذة علينا أو ما علينا شيء نطالب به من حهتكم إلا تبليغ الرسالة على الوجه المذكور وقد بلغنا كذلك فأي شيء تطلبون منا حتى تصدقونا بدعوانا ولكون تبليغهم كان بينا بهذا المعنى حسن منهم الاستشهاد بالعلم فلا تغفل ، وجاء كلام الرسل ثانياً في غاية التأكيد لمبالغة الكفرة في الإنكار جداً حيث أتوا بثلاث جمل وكل منها دال على شدة الانكار كما لا يخفى على من له أدنى تأمل قال السكاكي : أكدوا في المرة الأولى لأن تكذيب الإثنين تذكيب للثالث لاتحاد المقالة فلما بالغوا في تكذيبهم زادوا في التأكيد ، وقال الزمخشري : إن الكلام الأول ابتداء أخبار والثاني جوا بعن إنكار ، ووجه ذلك السيد السند بأن الأول ابتداء إخبار بالنظر إلى أن مجموع الثلاثة لم يسبق منهم إخبار فلا تكذيب لهم في المرة الأولى فيحمل التأكيد فيها على الاعتناء والاهتمام منهم بشأن الخبر انتهى ، وفيه أن الثلاثة كانوا عالمين بإنكارهم والكلام المخرج مع المنكر لا يقال له ابتداء اخبار ، وقال «صاحب الكشف » : أراد أنه غير مسبوق باخبار سابق ولم يرد أنه كلام مع خالي الذهن أو جعل الابتداء باعتبار قول الثالث أو المجموع ، وقال الجلبي : لعل مراده أنه بمنزلة ابتداء إخبار بالنسبة إلى إنكارهم الثاني في عدم احتياجه إلى مثل تلك المؤكذات فكان إنكارهم الأول لا يعد إنكاراً بالنسبة إلى إنكارهم الثاني لا أنه ابتداء اخبار حقيقة ، ولا يخفى ضعف ذلك ، وقال الفاضل اليمني : إنما أكد القول الأول لتنزيلهم منزلة من أنكر إرسال الثلاثة لأنه قد لاح ذلك من إنكار الإثنين فعلى هذا يكون ابتداء اخبار بالنظر إلى إخراج الكلام على مقتضى الظاهر وإنكارياً بالنظر إلى إخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر فنظر الزمخشري أدق من نظر السكاكي وإن قال السيد السند بالعكس ، ويعلم ما فيه مما تقدم بأدنى نظر ، وقال أجل المتأخرين الفاضل عبد الحكيم السالكوتي : عندي أن ما ذكره السكاكي مبني على عطف { فَقَالُواْ إِنَّا إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ } [ يس : 4 1 ] على { فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا } [ يس : 14 ] والفاء للتعقيب فيكون الكلام صادراً عن الثلاثة بعد تكذيب الإثنين والتعزيز بثالث فكان كلاماً مع المنكرين فجاء مؤكداً ، وقول الزمخشري مبني على أنه عطف على { إِذْ جَاءهَا المرسلون } [ يس : 3 ] وأنه تفصيل للقصة المذكورة إجمالاً بقوله سبحانه : { إِذْ جَاءهَا المرسلون } إلى قوله تعالى : { فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } [ يس : 4 1 ] فالفاء للتفصيل فقوله تعالى : { فَقَالُواْ إِنَّا إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ } [ يس : 14 ] بيان لقوله عز وجل : { إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثنين } [ يس : 4 1 ] فيكون ابتداء إخبار صدر من الإثنين قالوا بصيغة الجمع تقريراً لشأن الخبر وقوله تعالى : { قَالُواْ مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا } [ يس : 5 1 ] الخ بيان لقوله تعالى : { فَكَذَّبُوهُمَا } وقوله سبحانه : { رَبَّنَا يعلم إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ البلاغ المبين } [ يس : 6 1 ، 7 1 ] بيان لقوله عز شأنه { فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } فإن البلاغ المبين هو إثباتهم الرسالة بالمعجزات وهو التعزيز والغلبة ثم قال : ولا يخفى حسن هذا التفسير لموافقته للقصة المذكورة في التفاسير وملاءمته لسوق الآية فإنها ذكرت أولاً إجمالاً بقوله تعالى : { واضرب لَهُمْ مَّثَلاً أصحاب القرية } [ يس : 3 1 ] ثم فصلت بعض التفصيل بقوله تعالى : { إِذْ جَاءهَا المرسلون } إلى قوله سبحانه : { فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } [ يس : 14 13 ] ثم فصلت تفصيلاً تاماً بقوله تعالى : { قَالُواْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } إلى قوله تعالى : { خامدون } [ يس : 16-29 ] وعدم احتياجه إلى جعل الفاء في { فَكَذَّبُوهُمَا } فصحية بخلاف تفسير السكاكي فإنه يحتاج إلى تقدير فدعوا إلى التوحيد اه .

ولا يخفى على المنصف أنه تفسير في غاية البعد والكلام عليه وأصل إلى رتبة الألغاز ، ومع هذا فيه ما فيه ، وأنا أقول : لا يبعد أن يكون الزمخشري أراد بكلامه أحد الاحتمالات التي ذكرت في توجيهه إلا أن ما ذهب إليه السكاكي أبعد عن التكلف وأسلم عن القيل والقال .

   
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَمَا عَلَيۡنَآ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ} (17)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ما علينا إلا أن نبلغ ونعلمكم ونبين لكم أن الله واحد لا شريك له...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"وَما عَلَيْنا إلاّ البَلاغُ المُبِينُ" يقول: وما علينا إلاّ أن نبلغكم رسالة الله التي أرسلنا بها إليكم بلاغا يبين لكم أنا أبلغناكموها، فإن قبلتموها فحظّ أنفسكم تصيبون، وإن لم تقبلوها فقد أدّينا ما علينا، والله وليّ الحكم فيه.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ليس علينا من ترك إجابتكم لنا وردّ الرسالة شيء، إنما ذلك عليكم...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

يعني بالإعجاز الدال على صحة الرسالة أن الذي على الرسل إبلاغ الرسالة وليس عليهم الإجابة، وإنما الإجابة على المدعوين دون الداعين...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

البلاغ: مجيئ الشيء إلى حد يقف عنده... والمبين صفة للبلاغ، وهو الظاهر الذي لا شبهة فيه، فقالوا لهم في الجواب عن ذلك حين عجزوا عن إيراد شبهتم، وعدلوا عن النظر في معجزهم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

الظاهر المكشوف بالآيات الشاهدة لصحته؛ وإلا فلو قال المدعي: والله إني لصادق فيما أدعي ولم يحضر البينة كان قبيحاً...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

أعلموهم أنهم إنما عليهم البلاغ فقط وما عليهم من هداهم وضلالهم، وفي هذا وعيد لهم...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

تسلية لأنفسهم، أي نحن خرجنا عن عهدة ما علينا وحثا لهم على النظر، فإنهم لما قالوا: {ما علينا إلا البلاغ} كان ذلك يوجب تفكرهم في أمرهم حيث لم يطلبوا منهم أجرا ولا قصدوا رياسة، وإنما كان شغلهم التبليغ والذكر، وذلك مما يحمل العاقل على النظر.

{المبين} يحتمل أمورا:

...

.

ثانيها: البلاغ المظهر لما أرسلنا للكل، أي لا يكفي أن نبلغ الرسالة إلى شخص أو شخصين.

وثالثها: البلاغ المظهر للحق بكل ما يمكن، فإذا تم ذلك ولم يقبلوا يحق هنالك الهلاك.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{وما علينا} أي وجوباً من قبل من أرسلنا، وهو الله تعالى الذي له الأمر كله.

{إلا البلاغ المبين} أي المؤيد بالأدلة القطعية من الحجج القولية والفعلية بالمعجزات وغيرها، فلولا أنه يعلم لما أمكننا شيء من ذلك كما أن آلهتكم لما لم يكن لها علم لم يقدروا على بيان في أمرها بشيء، وإذ قد ثبت علم مرسلنا برسالتنا فهو الشاهد لنا بما يظهر على أيدينا وكفى به شهيداً.

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

إلا بتبليغ رسالته تعالى تبليغاً ظاهراً بيناً بحيث لا يخفى على سامعه، ولا يقبل التأويل والحمل على خلاف المراد أصلاً.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

من المسلّم به أنّهم لم يكتفوا بمجرّد الادّعاء، أو القسم بأنّهم من قبل الله، بل إنّ ممّا يستفاد من تعبير «البلاغ المبين» إجمالا أنّهم أظهروا دلائل ومعاجز تشير إلى صدق ادّعائهم، وإلاّ فلا مصداقية (للبلاغ المبين)، إذ أنّ البلاغ المبين يجب أن يكون بطريقة تجعل من الميسّر للجميع أن يدركوا مراده، وذلك لا يمكن تحقّقه إلاّ من خلال بعض الدلائل والمعجزات الواضحة.