الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَمَا عَلَيۡنَآ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ} (17)

وقوله تعالى : { واضرب لَهُم مَّثَلاً أصحاب القرية } الآية ، رُوِي عَنْ ابن عباس والزهري وعكرمة : أن القريةَ هنا هي أنطاكيَّة ، واخْتُلِفَ في هؤلاء المُرْسَلِينَ ؛ فقال قتادة وغيره : كانوا من الحواريِّينَ الذين بعثهم عيسى حِين رُفِعَ ، وصُلِبَ الذي أُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُهُ ، فَتَفَرَّقَ الحواريُّونَ في الآفاق ، فَقَصَّ اللَّه تعالى هنا قصَّةَ الذين نَهَضُوا إلى أنْطَاكيَّة ، وقالت فرقة : بل هؤلاء أنبياءٌ مِن قِبَل اللَّهِ عزّ وجلّ .

قال ( ع ) : وهذا يُرَجِّحُهُ قَوْلُ الكَفَرَةَ { مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } فإنها محاورةٌ إنما تقال لمن ادَّعى الرِّسَالَةَ من اللَّه تعالى ، والآخرُ مُحْتَمَلٌ ، وذَكِرَ المفسرون في قَصَص الآيةِ أشياء يَطُولُ ذِكْرُها والصِّحَّةُ فيها غَيْر مُتَيَقَّنَةٍ ، فَاخْتَصَرْتُه واللاَّزِمُ مِنَ الآيةِ أنَّ اللَّه تعالى بَعَثَ إلَيْهَا رَسُولَيْنِ ، فَدَعَيَا أهلَ القَرْيَةِ إلى عبادةِ اللَّهِ وتوحيدِه ، فَكَذَّبُوهُما فَشَدَّدَ اللَّهُ أمرهما بثالثٍ ، وقامت الحجةُ على أهلِ القريةِ ، وآمن منهم الرجلُ الذي جاءَ يسعى ، وقتلوه في آخر أمره وكفروا ، وأصابتْهم صيحةٌ مِن السَّمَاء فَخَمَدُوا ، وقرأ الجمهُور : ( فَعَزَّزْنا ) بِشَدِّ الزاي ، على معنى : قَوَّيْنَا . وشَدَّدْنَا ؛ وبهذا فسّره مجاهد وغيره ، وهذه الأمة أنكرت النبوَّاتِ بقولِها : { وَمَا أَنَزلَ الرحمن مِن شَيء } قال بعضُ المتأولين : لما كَذَّبَ أهْلُ القرية المرسلينَ أسرع فيهم الجُذَامُ .