روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٖ} (8)

وجعل قوله تعالى : { إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } أي غير مقطوع مذكوراً على جهة الاستطراد تعريضاً بالمشركين وان نصيبهم مقطوع حيث بم يزكوا أنفسهم كما زكوا ، واستدل على الاستطراد بالآية بعد ، وفي الكشف القول الأول أظهر والمشركون باق على عمومه لا من باب إقامة الظاهر مقام المضمر كهذا القول وأن الجملة معترضة كالتعليل لما أمرهم به وكذلك { إِنَّ الذين ءامَنُواْ } الآية لأنه بمنزلة وويل للمشركين وطوبى للمؤمنين ، وفيهما من التحذير والترغيب ما يؤكد أن الأمر بالإيمان والاستقامة تأكيداً لا يخفى حاله على ذي لب ، وكذلك الزكاة فيه على الظاهر ، وخص من بين أوصاف الكفرة منعها لما أنها معيار على الإيمان المستكن في القلب كيف ، وقد قيل : المال شقيق الروح بل قال بعض الأدباء :

وقالوا شقيق الروح مالك فاحتفظ *** به فأجبت المال خير من الروح

أرى حفظه يقضي بتحسين حالتي *** وتضييعه يفضي لتسآل مقبوح

والصرف عن الحقيقة الشرعية الشائعة من غير موجب لا يجوز كيف ومعنى الايتاء لا يقر قراره ، نعم لو كان بدله يأتون كما في قوله تعالى : { ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى } [ التوبة : 54 ] لحسن لا يقال : إن الزكاة فرضت بالمدينة والسورة مكية لأنا نقول : إطلاق الاسم على طائفة مخرجة من المال على وجه من القربة مخصوص كان شائعاً قبل فرضيتها بدليل شعر أمية بن أبي الصلت الفاعلون للزكوات ، على أن هذا الحق على هذا الوجه المعروف فرض بالمدينة ، وقد كان في مكة فرض شيء من المال يخرج إلى المستحق لا على هذا الوجه وكان يسمى زكاة أيضاً ثم نسخ انتهى .

ومنه يعلم سقوط ما قاله الطيبي . بقي مخالفة الحبر وهي لا تتحقق إلا إذا تحقق الرواية عنه وبعده الأمر أيضاً سهل ، ولعله رضي الله تعالى عنه كان يقرأ لا يأتون من الاتيان إذ القراءة المشهورة تأبى ذلك إلا بتأويل بعيد ، والعجب نسبة ما ذكر عن الحبر في البحر إلى الجمهور أيضاً ، وحمل الآية على ذلك مخلص بعض ممن لا يقول بتكليف الكفار بالفروع لكن لا يخفى حال الحمل وهي على المعنى المتبادر دليل عليه ومن لا يقول به قال : هم مكلفون باعتقاد حقيتها دون إيقاعها والتكليف به بعد الإيمان فمعنى الآية لا يؤتون الزكاة بعد الإيمان ، وقيل : المعنى لا يقرون بفرضيتها ، والقول بتكليف المجنون أقرب من هذا التأويل ، وقيل كلمة { وَيْلٌ } تدل على الذم لا التكليف وهو مذموم عقلاً ، وفيه بحث لا يخفى ؛ هذا وقيل : في { مَمْنُونٍ } لا يمن به عليهم من المن بمعنى تعداد النعم ، وأصل معناه الثقل فأطلق على ذلك لثقله على الممنون عليه ، وعن ابن عباس تفسيره بالمنقوص ، وأنشدوا لذي الأصبع العدواني :

أني لعمرك ما بأبي بذي غلق *** عن الصديق ولا زادي بممنون

والآية على ما روي عن السدي نزلت في المرضى والهرمي إذا عجزوا عن كمال الطاعات كتب لهم من الأجر في المرض والهرم مثل الذي كان يكتب لهم وهم أصحاء وشبان ولا تنقص أجورهم وذلك من عظيم كرم الله تعالى ورحمته عز وجل .

ومن كلمات القوم في الآيات : { إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } [ فصلت : 8 ] فيه إشارة إلى أن أجر المؤمن الغير العامل ممنون أي منقوص بالنسبة إلى أجر المؤمن العامل وأجر هذا العامل على الأعمال البدنية كالصلاة والحج الجنة ، وعلى الأعمال القلبية كالرضا والتوكل الشوق والمحبة وصدق الطلب ، وعلى الأعمال الروحانية كالتوجه إلى الله تعالى كشف الأسرار وشهود المعاني والاستئناس بالله تعالى والاستيحاش من الخلق والكرامات ، وعلى أعمال الإسرار كالإعراض عن السوي بالكلية دوام التجلي

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٖ} (8)

ولما ذكر الكافرين ، ذكر المؤمنين ، ووصفهم وجزاءهم ، فقال : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا } بهذا الكتاب ، وما اشتمل عليه مما دعا إليه من الإيمان ، وصدقوا إيمانهم بالأعمال الصالحة الجامعة للإخلاص ، والمتابعة . { لَهُمْ أَجْرٌ } أي : عظيم { غَيْرُ مَمْنُونٍ } أي : غير مقطوع ولا نافد ، بل هو مستمر مدى الأوقات ، متزايد على الساعات ، مشتمل على جميع اللذات والمشتهيات .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٖ} (8)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{إن الذين آمنوا} يعني صدقوا بالتوحيد.

{وعملوا الصالحات} من الأعمال.

{لهم أجر غير ممنون} يعني غير منقوص في الآخرة.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: إن الذين صدّقوا الله ورسوله، وعملوا بما أمرهم الله به ورسوله، وانتهوا عما نهياهم عنه، وذلك هو الصالحات من الأعمال "لَهُمْ أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ "يقول: لمن فعل ذلك أجر غير منقوص عما وعدهم أن يأجرهم عليه... وقال بعضهم: غير ممنون عليهم...

عن ابن أبي نجيح، قوله: "لَهُمْ أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ" قال: محسوب.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

وقال بعضهم: {غير ممنون} أي غير ممتنّ عليهم، وذلك في الآخرة أيضا، ومعناه، والله أعلم، أنه يُزاد لهم في الآخرة على قدر أعمالهم، ولا يُمنّ عليهم بتلك الزيادة. وقال بعضهم: {غير ممنون} أي غير منقوص ولا ممنوع. وذلك، والله أعلم، أن من كان يعمل في حال شبابه وقوته الصالحات والطاعات، ثم كبر، وعجِز عن إتيانها فإنه لا يُمنع، ولا ينقص منه الأجر الذي كان يجرى عليه، ويكتب له في حال شبابه وقوته.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

ثم إنه تعالى لما ذكر وعيد الكفار أردفه بوعد المؤمنين، فقال: {إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون} أي غير مقطوع، من قولك مننت الحبل، أي قطعته، ومنه قولهم قد منه السفر، أي قطعه، وقيل لا يمن عليهم، لأنه تعالى لما سماه أجرا، فإذا الأجر لا يوجب المنة.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

قال السدي: غير ممنون عليهم. وقد رد عليه بعض الأئمة هذا التفسير، فإن المنة لله على أهل الجنة؛ قال الله تعالى: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ} [الحجرات: 17].

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{إن الذين آمنوا} أي بما آتاهم الله من العلم النافع {وعملوا الصالحات} من الزكاة وغيرها ليكون علمهم شرعياً نافعاً، ولما كان افتتاح السورة بالرحمن الرحيم مشعراً بأن الأسباب الظاهرية انمحت عند السبب الحقيقي الذي هو رحمته، أعرى الخبر عن الفاء، فقال إيذاناً بعظم الجزاء؛ لأن سببه رحمة الرحيم، ولو كان بالفاء لآذنت أنه على مقدار العمل الذي هو سببه: {لهم أجر} أي عظيم {غير ممنون} جزاء على سماحهم بالفاني اليسير من أموالهم في الزكاة وغيرها، وما أمر الله به من أقوالهم وأفعالهم في الآخرة والدنيا.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

استئناف بياني نشأ عن الوعيد الذي تُوُعّد به المشركون بعد أن أُمروا بالاستقامة إلى الله واستغفارِه عما فرط منهم، كأنَّ سائلاً يقول: فإن اتعظوا وارتدعوا فماذا يكون جزاؤهم، فأفيد ذلك وهو أنهم حينئذٍ يكونون من زمرة {الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون}، وفي هذا تنويه بشأن المؤمنين.

وتقديم {لهم} للاهتمام بهم.

والأجر: الجزاء النافع، عن العمل الصالح، أو هو ما يُعطُوْنه من نعيم الجنة.

والممنون: مفعول من المَنّ، وهو ذِكر النعمة للمنعَم عليه بها، والتقدير غير ممنون به عليهم، وذلك كناية عن كونهم أُعطُوه شكراً لهم على ما أسلفوه من عمل صالح فإن الله غفور شكور، يعني أن الإِنعام عليهم في الجنة ترافقه الكرامة والثناء فلا يُحسون بخجل العطاء، وهو من قبيل قوله: {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} [البقرة: 264]، فأجرهم بمنزلة الشيء المملوك لهم الذي لم يعطه إياهم أحد وذلك تفضل من الله.