روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{فَلَمَّا رَءَا قَمِيصَهُۥ قُدَّ مِن دُبُرٖ قَالَ إِنَّهُۥ مِن كَيۡدِكُنَّۖ إِنَّ كَيۡدَكُنَّ عَظِيمٞ} (28)

{ فَلَمَّا رَءا } أي السيد ، وقيل : الشاهد ، والفعل من الرؤية البصرية أو القبلية أي فلما علم { قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ } أي هذا القد والشق كما قال الضحاك { مِن كَيْدِكُنَّ } أي ناشى من احتيالكن أيتها النساء ومكركن ومسبب عنه ، وهذا تكذيب لها وتصديق له عليه السلام على ألطف وجه كأنه قيل : أنت التي راودتيه فلم يفعل وفرّ فاجتذبتيه فشققت قميصه فهو الصادق في إسناد المراودة إليك وأنت الكاذبة في نسبة السوء إليه ، وقيل : الضمير للأمر الذي وقع فيه التشاجر وهو عبارة عن إرادة السوء التي أسندت إلى يوسف عليه السلام وتدبير عقوبته بقولها { مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءا } [ يوسف : 25 ] الخ أي إن ذلك من جنس مكركن واحتيالكن ، وقيل : هو للسوء وهو نفسه وإن لم يكن احتيالاً لكنه يلازمه ، وقال الماوردي : هو لهذا الأمر وهو طمعها في يوسف عليه السلام ؛ وجعله من الحيلة مجاز أيضاً كما في الوجه الذي قبله ، وقال الزجاج : هو لقولها : { مَا جَزَاء } [ يوسف : 25 ] الخ فقط( {[361]} ) ، واختار العلامة أبو السعود القيل الأول وتكلف له بما تكلف واعترض على ما بعده من الأقوال بما اعترض .

ولعل ما ذكرناه أقرب للذوق وأقل مؤنة مما تكلف له ؛ وأياً مّا كان فالخطاب عام للنساء مطلقاً وكونه لها ولجواريها كما قيل ليس بذاك ، وتعميم الخطاب للتنبيه على أن الكيد خلق لهن عريق

: ولا تحسبا هنداً لها الغدر وحدها *** سجية نفس كل غانية هند( {[362]} )

{ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } فإنه ألطف وأعلق بالقلب وأشد تأثيراً في النفس ولأن ذلك قد يورث من العار ما لا يورثه كيد الرجال ، ولربات القصور منهن القدح المعلى من ذلك لأنهن أكثر تفرغاً من غيرهن مع كثرة اختلاف الكيادات إليهن فهن جوامع كوامل ، ولعظم كيد النساء( {[363]} ) اتخذهن إبليس عليه اللعنة وسائل لإغواء من صعب عليه إغواؤه ، ففي الخبر «ما أيس الشيطان من أحد إلا أتاه من جهة النساء » وحكي عن بعض العلماء أنه قال : أنا أخاف من النساء ما لا أخاف من الشيطان فإنه تعالى يقول : { إِنَّ كَيْدَ الشيطان كَانَ ضَعِيفاً } [ النساء : 76 ] وقال للنساء : { إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } [ يوسف : 82 ] ولأن الشيطان يوسوس مسارقة وهن يواجهن به ، ولا يخفى أن استدلاله بالآيتين مبني على ظاهر إطلاقهما ، ومثله ما تنقبض له النفس وتنبسط يكفي فيه ذلك القدر فلا يضر كون ضعف كيد الشيطان إنما هو في مقابلة كيد الله تعالى ، وعظيم كيدهن إنما هو بالنسبة إلى كيد الرجال ، وما قيل : إن ما ذكر لكونه محكياً عن قطفير لا يصلح للاستدلال به بوجه من الوجوه ليس بشيء لأنه سبحانه قصه من غير نكير فلا جناح في الاستدلال به كما لا يخفى .


[361]:- لم يجعل هؤلاء من سببية كما أشرنا إليه اهـ منه.
[362]:- هو لأبي تمام بن قصيدة اهـ منه.
[363]:- وهذا من كيده فافهم اهـ منه.