روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَجَعَلۡنَا سِرَاجٗا وَهَّاجٗا} (13)

{ وَجَعَلْنَا } أي أنشأنا وأبدعنا { سِرَاجاً وَهَّاجاً } مشرقاً متلألئاً من وهجت النار إذا أضاءت أو بالغاً في الحرارة من الوهج والمراد به الشمس والتعبير عنها بالسراج من روادف التعبير عن خلق السموات بالبناء ونصب سراجاً على المفعولية ووهاجاً على الوصفية له وجوز بعضهم أن يكونا مفعولين للجعل على أنه هنا مما يتعدى إليهما وتعقب بأنه مخالف للظاهر للتنكير فيهما وأن قيل السراج الشمس وهي لانحصارها في فرد كالمعرفة واختلف في موضع الجعل والمشهور أنه في السماء الرابعة ولم نر فيه أثراً سوى ما في «البحر » من عبد الله بن عمرو بن العاص قال الشمس في السماء الرابعة إلينا ظهرها ولهبها يضطرم علواً والمذكور في كتب القوم أنهم جعلوا سبعة أفلاك للسيارات السبع على ترتيب خسف بعضها بعضاً أقصاها لزحل والذي تحته للمشتري ثم للمريخ والأدنى للقمر والذي فوقه لعطارد ثم للزهرة إذ وجدوا القمر يكسف الست من السيارات وكثيراً من الثوابت المحاذية لطريقته في ممر البروج وعلى هذا الترتيب وجدوا الأدنى يكسف الأعلى والثوابت تنكسف بالكل ويعلم الكاسف من المنكسف باختلاف اللون فأيهما ظهر لونه عند الكسف فهو كاسف وأيهما خفي لونه فهو منكسف وبقي الشك في أمر الشمس إذ لم يعرف انكساف شيء من الكواكب بها لاضمحلال نورها في ضيائها عند القرب منها ولا انكسافها بشيء من الكواكب غير القمر فذهب بعض القدماء إلى أن فلكي الزهرة وعطارد فوق فلكها مستدلين عليه بأنهما لا يكسفانها كما يكسفها القمر وهو باطل إذ من شرط كسف السافل العالي أن يكونا معاً والبصر على خط واحد مستقيم والألم يكسفه كما في أكثر اجتماعات القمر وإذا كان كذلك فمن المحتمل أن يكون مدارهما بين الشمس والإبصار ولأن جرميهما عندهم صغيران غير مظلمين كجرم القمر حتى يكسفاها ولأنه إذا كسف القمر من جرم الشمس ما مساحته مساوية لجرم أحد هذين الكوكبين أو أكثر لا يظهر المنكسف للإبصار على ما نص عليه بطليموس في الاقتصاص وذهب بعضهم من تقادم عهدهم إلى أنهما تحت فلك الشمس وإن لم تكسف بهما استحساناً لما في ذلك من حسن الترتيب وجودة النظام على ما بين في موضعه ومال إليه بطليموس قال في المجسطي ونحن نرى ترتيب من تقادم عهده أقرب إلى الإقناع لأنه أشبه بالأمر الطبيعي لتوسط الشمس بين ما يبعد عنها كل البعد وبين ما لا يبعد عنها إلا يسيراً ثم قوي عزمه لما رأى بعد الشمس المعلوم من الأرض مناسباً لهذا الموضع لأنه لما وجد بين أبعد بعد القمر وأقرب قرب الشمس بعداً يمكن أن يوجد فيه فلكا الزهرة وعطارد وأبعادهما المختلفة قال في الاقتصاص مثل هذا الفضاء لا يحسن أن يترك عطلاً ولا يحسن أن يكون فيه المريخ فضلاً عن غيره فليكونا فيه وتأكد هذا عند بعض المتأخرين بأنه شوهدت الزهرة على قرص الشمس في وقتين بينهما نيف وعشرون سنة وكانت أول الحالين في ذروة التدوير وفي الثاني في أسفله ويبطل به ما ظن من كون عطارد والزهرة مع الشمس في كرة ومركز تدويرهما لاستحالة أن ترى الزهرة في الذروة على هذا الوجه وهذه أمور ضعيفة بعضها خطابي إقناعي وبعضها مبين ما فيه في محله وقد زعم بعض الناس أنه كما وجد في وجه القمر محو فكذا في وجه الشمس فوق مركزها بقليل نقطة سوداء وأهل الأرصاد اليوم على ما سمعنا من غير واحد جازمون بأن في قرصها سواداً وعلامات مختلفة ولهم في ذلك كلام مذكور في كتبهم وعليه ففي تشبيههما بالسراج من الحسن ما فيه وعن بعضهم أن النور كخيمة عليها ورأيت في بعض كتبهم أنه ينشق من حوالي جرمها والكلام في مقدار جرمها وبعدها عن الأرض عند كل من المتقدمين والمعاصرين من الفلاسفة مما لا حاجة لنا به في هذا المقام مع ما في ذلك من الاختلاف المفضي بيانه بما له وعليه إلى مزيد تطويل .