إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَجَعَلۡنَا سِرَاجٗا وَهَّاجٗا} (13)

{ وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً } هذا الجعلُ بمعنى الإنشاءِ والإبداعِ كالخلقِ خَلا أنه مختصٌ بالإنشاءِ التكوينيِّ وفيه مَعنى التقديرِ والتسويةِ وهذا عامٌّ له كَما في الآيةِ الكريمةِ وللتشريعيِّ أيضاً كَما في قولِه تعالى : { مَا جَعَلَ الله مِن بَحِيرَةٍ } [ سورة المائدة ، الآية 103 ] الخ وقولِه تعالى : { لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً ومنهاجا } [ سورة المائدة ، الآية 48 ] وأياً ما كانَ ففيهِ إنباءٌ عن ملابسةِ مفعولِه بشيءٍ آخرَ بأنْ يكونَ فيهِ أولَهُ أو مِنْهُ أو نحوُ ذلكَ ملابسةً مصححةً لأنْ يتوسطَ بينهُمَا شيء من الظروفِ لغواً كانَ أو مستقراً لكنْ لا على أنْ يكونَ عمدةً في الكلامِ بل قيداً فيهِ ، كَما في قولِه تعالى : { وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً } [ سورة الفرقان ، الآية 53 ] ، وقولِه تعالى : { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ } [ سورة فصلت ، الآية 10 ] وقولِه تعالى : { واجعل لنَا مِن لدُنكَ وَلِيّاً } [ سورة النساء ، الآية 75 ] الآيةَ . فإنَّ كلَّ واحدٍ من هذهِ الظروفِ إمَّا متعلقٌ بنفسِ الجعلِ أو بمحذوفٍ وقعَ حالاً من مفعولِه تقدمتْ عليه لكونِه نكرةً وأياً ما كانَ فهو قيدٌ في الكلامِ حتَّى إذا اقتضَى الحالُ وقوعَهُ عمدةً فيه يكونُ الجعلُ متعدياً إلى اثنينِ هُو ثانيهما كما في قولِه تعالى : { يَجْعَلُونَ أصابعهم فِي آذَانِهِم } [ سورة البقرة ، الآية 19 ] ورُبَّما يشتبهُ الأمرُ فيظنَّ أنَّه عمدةٌ فيهِ ، وهو في الحقيقيةِ قيدٌ بأحدِ الوجهينِ كما سلفَ في قولِه تعالى : { إِنّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً } [ سورة البقرة ، الآية 30 ] والوهَّاجُ الوقَّادُ المتلألئُ من وهجتِ النارُ إذا أضاءتْ أو البالغُ في الحرارةِ من الوهجِ والمرادُ به الشمسُ والتعبيرُ عنها بالسراجِ من روادفِ التعبيرِ عن خلقِ السماوات بالبناءِ .