التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (76)

جملة معترضة في حكاية أحوال المجرمين قُصد منها نفي استعظام ما جُوزُوا به من الخلود في العذاب ونفي الرقة لحالهم المحكية بقوله : { وهم فيه مبلسون } [ الزخرف : 75 ] .

والظلم هنا : الاعتداء ، وهو الإصابة بضرّ بغير موجب مشروع أو معقول ، فنفيه عن الله في مُعَامَلتِهِ إياهم بتلك المعاملة لأنها كانت جزاءً على ظلمهم فلذلك عقب بقوله : { ولكن كانوا هم الظالمين } أي المعتدين إذ اعتدوا على ما أمر الله من الاعتراف له بالإلهية ، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كذبوه ولمَزوه ، كما تقدم في قوله : { إن الشرك لظلمٌ عظيمٌ } في سورة لقمان ( 13 ) .

و{ هم } ضمير فصل لا يطلب معاداً لأنه لم يجْتلبْ للدلالة على معاد لوجود ضمير { كانوا } دالاً على المعاد فضمير الفصل مجْتلبٌ لإفادة قصر صفة الظلم على اسم ( كان ) ، وإذ قد كان حرف الاستدراك بعد النفي كافياً في إفادة القصر كان اجتلاب ضمير الفصل تأكيداً للقصر بإعادة صيغة أخرى من صيغ القصر . وجمهور العرب يجعلون ضمير الفصل في الكلام غير واقع في موقع إعراب فهو بمنزلة الحرف ، وهو عند جمهور النحاة حرف لا محل له من الإعراب ويسميه نحاة البصرة فَصلاً ، ويسميه نحاة الكوفة عِمَاداً .

واتفق القراء على نصب { الظالمين } على أنه خبر { كانوا } وبنو تميم يجعلونه ضميراً طالباً معاداً وصَدراً لِجملته مبتدأ ويجعلون جملته في محل الإعراب الذي يقتضيه ما قبله ، وعلى ذلك قرأ عبد الله بن مسعود وأبو زيد النحوي { ولكن كانوا هم الظالمون } على أن هم مبتدأ والجملة منه ومنْ خبرِه خبرُ { كانوا } . وحكى سيبويه أن رؤبة بن العجاج كان يقول : أظن زيداً هو خيرٌ منك ، برفع خير .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (76)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وما ظلمناهم} فنعذب على غير ذنب، {ولكن كانوا هم الظالمين}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"وَما ظَلَمْناهُمْ وَلَكِنْ كانُوا هُمُ الظّالِمِينَ" يقول تعالى ذكره: وما ظلمنا هؤلاء المجرمين بفعلنا بهم ما أخبرناكم أيها الناس أنا فعلنا بهم من التعذيب بعذاب جهنم، "وَلَكِنْ كانُوا هُمُ الظّالِمِينَ "بعبادتهم في الدنيا غير من كان عليهم عبادته، وكفرهم بالله، وجحودهم توحيده.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يحتمل: {وما ظلمناهم} في ترك البيان لهم، أي لم نترك ما عليهم وما لهم بل بيّنا لهم عاقبة السبيلين جميعا: أنه إلى ذلك ذا يُفضي، وإلى ذلك عاقبة هذا السبيل.

ولكن هم ظلموا أنفسهم حين اختاروا السبيل الذي أفضاهم إلى ذلك.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

أي ما وضعنا العذاب فيمن لا يستحقه، ولكن هم ظلموا في أن وضعوا العبادة فيمن لا يستوجبها ووضعوا الكفر والتفريط في جنب الله تعالى.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان ربما ظن من لا بصيرة له أن هذا العذاب أكبر وأكثر مما يستحقونه؛ أجاب سبحانه بقوله ليزيد عذابهم برجوعهم باللائمة على نفسوهم ووقوعهم في منادمات الندامات: {وما ظلمناهم} نوعاً من الظلم؛ لأنه تعالى مستحيل في حقه الظلم.

{ولكن كانوا} جبلة وطبعاً وعملاً وصنعاً دائماً.

{هم} أي خاصة {الظالمين} لأنهم بارزوا المنعم عليهم بالعظائم، ونووا أنهم لا ينفكون عن ذلك بقوا، والأعمال بالنيات، ولو كانوا يقدرون على أن لا يموتوا لما ماتوا.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

الظلم هنا: الاعتداء، وهو الإصابة بضرّ بغير موجب مشروع أو معقول، فنفيه عن الله في مُعَامَلتِهِ إياهم بتلك المعاملة؛ لأنها كانت جزاءً على ظلمهم، فلذلك عقب بقوله: {ولكن كانوا هم الظالمين} أي المعتدين إذ اعتدوا على ما أمر الله من الاعتراف له بالإلهية، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كذبوه ولمَزوه...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

هذه الآيات تعد أعمال هؤلاء الظالمين سبب هذا العذاب الخالد ومنبعه، وأي ظلم أكبر من أن يكذّب الإِنسان بآيات الله سبحانه، ويضرب جذور سعادته بمعول الكفر والافتراء...

نعم، إن القرآن يرى إرادة الإِنسان وأعماله السبب الأساسي لكل سعادة أو شقاء، لا المسائل الظنية والوهمية التي اصطنعها البعض لأنفسهم...