اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (76)

قوله : { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ولكن كَانُواْ هُمُ الظالمين } العامة على الياء خبراً لكان ، و«هم » إما فصل{[50074]} ، وإمَّا توكيد{[50075]} ، وقرأ عبد الله{[50076]} وأبو زَيْدٍ{[50077]} النحويان : الظَّالِمُونَ{[50078]} على أنه مبتدأ و«الظالمون » خبره والجملة خبر كان . وهي لغة تميم{[50079]} .

قال أبو زيد : سمعتهم يَقْرَأُونَ : { تَجِدُوهُ عِندَ الله هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً } [ المزمل : 20 ] بالرفع{[50080]} . وقال قيس بن ذُرَيْح ( الشاعر ){[50081]}

4418 تَحِنُّ إلَى لَيْلَى وَأَنْتَ تَرَكْتَهَا *** وَكُنْتَ عَلَيْهَا بالمَلاَ أَنْتَ أَقْدَرُ{[50082]}

برفع «أقدر » و«أنت » فصل أو توكيد .

قال سيبويه : بلغنا أن رؤبة كان يقول : أَظُنُّ زَيْداً هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ{[50083]} يعني بالرفع .

فصل

احتج القاضي بقوله : { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ولكن كَانُواْ هُمُ الظالمين } فقال : إن كان خلق فيهم الكفر ليدخلهم النار فما الذي نفاهُ بقوله : { وَمَا ظَلمناهم ( ولكن كانا هم الظالمين ) » ؟ وما الذي نسبه إليهم مما نفاه عنه نفسه ؟ أو ليس لو أثبتناه لهم كان لا يزيد عما يقوله القوم ؟ فإن قالوا ذلك الفعل لم يقع بقدرة الله عزّ وجلّ بل إنما وقع بقدرة الله مع قدرة العبد معاً فلم يكن ذلك ظلماً من الله تعالى : قلنا{[50084]} : عندكم القدرةُ على الظلم موجبة للظلم ، وخالق تلك القدرة هو الله تعالى ، وكأنه تعالى لما فعل مع خلق الكفر قدرة على الكفر خرج من أن يكون ظلماً لهم ، وذلك محال ، لأن من يكون ظالماً في فعله إذا فعل معه ما يوجب ذلك الفعل يكون ذلك أحق فيقال للقاضي : قدرة العبد هل هي صالحة للطرفين أو هي متعيِّنة لأحد الطرفين ؟ فإن كانت صالحة لكلا الطرفين فالترجيح إنْ وقع لا لمرجّح ، لزم نفي الصانع ، وإن افتقر إلى مرجَّح عاد التقسيمُ الأول ، وأن ينتهي إلى داعية مرجحة يخلقها الله تعالى في العبد ، وحينئذ يلزمك ما ألزمته علينا .

وأن كانت تلك القدرة متعينة لأحد الطرفين فحينئذ يلزمك ما أوردته علينا . قال ابن الخطيب : وليس الرجل من يرى ( وجه ){[50085]} الاستدلال فيذكره إنما الرجل مَنْ{[50086]} ينظر فيما قبل الكلام وفيما بعده ، فإن رآه وارداً على مذهبه بعينه لم يَذْكره{[50087]} .


[50074]:وكونه فصلا أو عمادا صحيح، فالأول تسمية للبصرة والثاني للكوفة وسمي فصلا، لأنه فصل بين التابع والخبر وعمادا لأنه يعتمد عليه معنى الكلام وفائدته التوكيد، ولهذا قال بعضهم: إنه لا يجامع التوكيد فلا يقال زيد نفسه هو الفاضل. وفيه كلام ذكره ابن هشام في مغنيه 493 ـ 498.
[50075]:وقال بهذا السمين 4/801.
[50076]:هو أبو بحر عبد الله بن أبي إسحاق الخضرمي البصري كان أول من علل النحو انظر غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري 1/410 وقد مات هذا الرجل سنة 117 هـ. وانظر أيضا إنباه الرواة 2/104.
[50077]:هو سعيد بن أوس بن ثابت بن بشير بن أبي زيد، روى القراءة عن المفضل عن عاصم، وكان من جلة أصحاب أبي عمرو من أعيان أهل النحو واللغة مات سنة 215 هـ. وانظر غاية النهاية 1/305.
[50078]:ذكرها ابن خالويه في مختصره (136) وذكرها القرطبي إجارة نحوية ولم يذكره قراءة.
[50079]:أخبر بذلك أبو عمرو الجرمي أن لغة تميم جعل ما هو فصل عند غيرهم مبتدأ ويرفعون ما بعده على الخبر انظر البحر المحيط 8/22.
[50080]:انظر المرجع السابق، والكتاب 2/392.
[50081]:زيادة من أ الأصل.
[50082]:من الطويل له وقد روي ـ كما في الكتاب تبكي بدل تحن، والملا ـ مقصورا ـ الصحراء وهو يتحسر على طلاقه لليلى وكان مفتونا ومشغوفا بها. والشاهد: أنت أقدر بفصل الضمير ورفعه وما بعده على الخبر على لغة تميم. وانظر الديوان 33 والكتاب 3/292، وابن يعيش 3/112، والبحر المحيط 8/27 والدر المصون 4/802 واللسان (ملا) 4273.
[50083]:الكتاب 2/392.
[50084]:هذا رد من الرازي على القاضي.
[50085]:سقط من ب.
[50086]:في ب ممن.
[50087]:انظر هذا كله في تفسير الرازي 27/227.