التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{قَالَ عَمَّا قَلِيلٖ لَّيُصۡبِحُنَّ نَٰدِمِينَ} (40)

{ وعَمَّا قَليلٍ } أفاد حرف ( عن ) المجاوزة ، أي مجاوزة معنى مُتعلَّقها الاسمَ المجرور بها . ويكثر أن تفيد مجاوزة معنى متعلّقها الاسم المجرور بها فينشأ منها معنى ( بَعْد ) نحو { لَتَرْكَبُنّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ } [ الانشقاق : 19 ] فيقال : إنها تجيء بمعنى ( بَعْد ) كما ذكره النحاة وهم جروا على الظاهر وتفسير المعنى إذ لا يكون حرف بمعنى اسم ، فإن معاني الحروف ناقصة ومعاني الأسماء تامة . فمعنى { عما قليل ليصبحن نادمين } : أن إصباحهم نادمين يتجاوز زمناً قليلاً : أي من زمان التكلم وهو تجاوز مجازي بحرف ( عن ) مستعار لمعنى ( بَعْد ) استعارة تبعيَّة . و { ما } زائدة للتوكيد .

و { قليل } صفة لموصوف محذوف دل عليه السياق أو فعل الإصباح الذي هو من أفعال الزمن فوعد الله هذا الرسول نصراً عاجلاً .

وندمهم يكون عند رؤية مبدأ الاستئصال ولا ينفعهم ندمهم بعد حلول العذاب .

والإصباح هنا مراد به زمن الصباح لا معنى الصيرورة بدليل قوله في سورة الحجر ( 83 ) { فأخذتهم الصيحة مصبحين . }