الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالَ عَمَّا قَلِيلٖ لَّيُصۡبِحُنَّ نَٰدِمِينَ} (40)

قوله : { عَمَّا قَلِيلٍ } : في " ما " هذه وجهان ، أحدهما : أنها مزيدةٌ بينَ الجارِّ ومجرورِه للتوكيدِ كما زِيْدَتْ في الباءِ نحو : { فَبِمَا رَحْمَةٍ } [ آل عمران : 159 ] . وفي " مِنْ " نحو { مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ } [ نوح : 25 ] . و " قليلٍ " صفةٌ لزمنٍ محذوفٍ أي عَنْ زمنٍ قليل .

والثاني : أنها غيرُ زائدةٍ بل هي نكرةٌ بمعنى شيء أو زمن . و " قليل " صفتُها أو بدلٌ منها . وهذا الجارُّ فيه ثلاثةُ أوجهٍ . أحدُها : أنَّه متعلقٌ بقولِه : { لَّيُصْبِحُنَّ } أي لَيُصْبِحُن عن زمنٍ قليل نادمين . والثاني : أنه متعلقٌ ب " نادمين " . وهذَا على أحدِ الأقوالِ في لام القسم ، وذلك أنَّ فيها ثلاثةَ أقوال : جوازَ تقديمِ معمولِ ما بعدها عليها مطلقاً . وهو قول الفراء وأبي عبيدة . والثاني : المَنْعُ مطلقاً وهو قولُ جمهورِ البصريين . والثالث : التفصيلُ بين الظرفِ وعديلِه ، وبين غيِرهما ، فيجوزُ فيهما الاتساعُ ، ويمتنعُ في غيرِهما ، فلا يجوز في : " والله لأضربنَّ زيداً " : " زيداً لأضرِبَنَّ " لأنه غيرُ ظرفٍ ولا عديلِه .

والثالث من الأوجه المتقدمة : أنَّه متعلقٌ بمحذوفٍ تقديرُه : عَمَّا قليلٍ نُنْصَرُ حُذِف لدلالةِ ما قبلَه عليه . وهو قولُه " رَبِّ انْصُرْني " .

وقرىء " لَتُصْبِحُنَّ " بتاءِ الخطابِ على الالتفاتِ ، أو على أن القولَ صدرَ من الرسولِ لقومِه بذلك .