اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ عَمَّا قَلِيلٖ لَّيُصۡبِحُنَّ نَٰدِمِينَ} (40)

فأجاب الله سؤاله وقال : { عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ{[32795]} } .

قوله : «عَمَّا قَلِيلٍ » في ( ما ) هذه وجهان :

أحدهما : أنّها مزيدة بين الجار والمجرور{[32796]} للتوكيد{[32797]} كما زيدت الباء نحو : «فَبِمَا رَحْمَةٍ »{[32798]} ، وفي من{[32799]} نحو «مِمَّا خَطَايَاهُمْ{[32800]} » .

و «قَلِيلٍ » صفة لزمن محذوف ، أي : عن زمن قليل{[32801]} .

والثاني : أنّها غير زائدة ، بل هي نكرة بمعنى شيء أو زمن ، و «قَلِيلٍ » صفتها{[32802]} ، أو بدل منها{[32803]} {[32804]} ، وهذا الجار فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنّه متعلق بقوله : «لَيُصْبِحُنَّ » ، أي : ليصبحن عن زمن قليل نادمين {[32805]} .

الثاني : أنه متعلق ب «نَادِمِين »{[32806]} ، وهذا على أحد الأقوال في لام القسم ، وذلك أنّ فيها ثلاثة أقوال :

جواز تقديم معمول ما بعدها عليها مطلقاً ، وهو قول الفراء وأبي عبيدة .

والثاني : المنع مطلقاً ، وهو قول جمهور البصريين .

والثالث : التفصيل بين الظرف وعديله وبين غيرهما ، فيجوز للاتساع{[32807]} ويمتنع في غيرهما فلا يجوز في : والله لأضربن زيداً ، زيداً لأضربن لأنه غير ظرف ولا عديله{[32808]} .

والثالث من الأوجه المتقدمة : أنّه متعلق بمحذوف تقديره : عَمّا قَلِيلٍ تنصر حذف لدلالة ما قبله عليه ، وهو قوله : «رَبّ انْصُرْنِي »{[32809]} . وقرئ : «لَتُصْبِحُنَّ » بتاء الخطاب{[32810]} على الالتفات ، أو على أنَّ القول صدر من الرسول لقومه بذلك .

قوله : «عَمَّا قَلِيلٍ » الآية معناه أنه يظهر لهم علامات الهلال فعند ذلك يحصل لهم الحسرة{[32811]} والندامة على ترك القبول{[32812]} .


[32795]:انظر الفخر الرازي 23/99.
[32796]:البيان 2/185، التبيان 2/955.
[32797]:في الأصل: بالتوكيد.
[32798]:من قوله تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم} [آل عمران: 159].
[32799]:انظر شرح الكافية الشافية 2/816 شرح التصريح 2/20، الهمع 2/ 37 – 38، شرح الأشموني 2/230.
[32800]:من قوله تعالى: {مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا} [نوح: 25]. و"خطاياهم" قراءة أبي عمرو، وقراءة الباقين "خطيئاتهم" انظر السبعة (653)، الكشف 2/237.
[32801]:انظر البحر المحيط 6/305.
[32802]:في الأصل: صفتهما.
[32803]:في ب: منهما.
[32804]:انظر التبيان 2/955.
[32805]:انظر التبيان 2/955، البحر المحيط 6/406.
[32806]:انظر التبيان 2/955، البحر المحيط 6/406.
[32807]:في ب: الاتساع.
[32808]:وهو رأي ابن مالك. وانظر هذه الأقوال في الهمع 2/44.
[32809]:انظر البيان 2/185.
[32810]:البحر المحيط 6/406.
[32811]:في ب: الخسران.
[32812]:انظر الفخر الرازي 23/100.