التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{رَبَّنَآ ءَاتِهِمۡ ضِعۡفَيۡنِ مِنَ ٱلۡعَذَابِ وَٱلۡعَنۡهُمۡ لَعۡنٗا كَبِيرٗا} (68)

وإعادة النداء في قولهم : { ربنا آتهم ضعفين من العذاب } تأكيد للضراعة والابتهال وتمهيد لقبول سؤلهم حتى إذا قبل سؤلهم طمعوا في التخلص من العذاب الذي ألقوهُ على كاهل كبرائهم . والضِعف بكسر الضاد : العدد المماثل للمعدود ، فالأربعة ضعف الاثنين . ولما كان العذاب معنى من المعاني لا ذاتاً كان معنى تكرير العدد فيه مجازاً في القوة والشدة . وتثنية { ضعفين } مستعملة في مطلق التكرير كناية عن شدة العذاب كقوله تعالى : { ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير } [ الملك : 4 ] فإن البصر لا

يخسَأ في نظرتين ، ولذلك كان قوله هنا : { آتهم ضعفين من العذاب } مساوياً لقوله : { فآتهم عذاباً ضعفاً من النار } في سورة الأعراف [ 38 ] . وهذا تعريض بإلقاء تبعة الضلال عليهم ، وأن العذاب الذي أعدّ لهم يسلط على أولئك الذين أضلّوهم . ووُصف اللعن بالكثرة كما وصف العذاب بالضعفين إشارة إلى أن الكبراء استحقوا عذاباً لكفرهم وعذاباً لتسببهم في كفر أتباعهم . فالمراد بالكثير الشديد القوي ، فعبر عنه بالكثير لمشاكلة معنى التثنية في قوله : { ضعفين } المراد به الكثرة . وقد ذكر في الأعراف جوابهم من قِبل الجلالة بقوله : { قال لكل ضعف } [ الأعراف : 38 ] يعني أن الكبراء استحقوا مضاعفة العذاب لضلالهم وإضلالهم وأن أتباعهم أيضاً استحقوا مضاعفة العذاب لضلالهم ولتوسيد سادتهم وطاعتهم العمياء إياهم .