التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{ثُمَّ تَوَلَّوۡاْ عَنۡهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٞ مَّجۡنُونٌ} (14)

و{ ثم } للتراخي الرتبي وهو ترقَ من مفاد قوله : { بل هم في شك يلعبون } [ الدخان : 9 ] الذي اتصلت به جملة كانت جملة وقد جاءهم رسول مبين } من متعلِّقاتها .

فالمعنى : وقد جاءهم رسول فشكُّوا في رسالته ثم تولّوا عنه وطعنوا فيه ، فالتولّي والطعن حصلا عند حصول الشك واللعب ، ولذلك كانت { ثم } للتراخي الرتبي لا لتراخي الزمان . ومعنى التراخي الرتبي هنا أن التولي والبهتان أفظع من الشك واللعب . والمعلَّم الذي يعلِّمه غيره ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يُعلِّمه بشر } في سورة النحل ( 103 ) .

والمعنى : أنهم وصفوه مرة بأنه يعلّمه غيره ، ووصفوه مرة بالجنون ، تنقلاً في البهتان ، أو وصفَه فريق بهذا وفريق بذلك ، فالقول موزع بين أصحاب ضمير { قالوا } أو بين أوقات القائلين . ولا يصح أن يكون قولاً واحداً في وقت واحد لأن المجنون لا يكون معلَّماً ولا يتأثر بالتعليم .