التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{إِنَّ لِلۡمُتَّقِينَ مَفَازًا} (31)

جرى هذا الانتقال على عادة القرآن في تعقيب الإِنذار للمنذَرين بتبشير من هم أهل للتبشير .

فانتقل من ترهيب الكافرين بما سيلاقونه إلى ترغيب المتقين فيما أُعدَّ لهم في الآخرة من كرامة ومن سلامة مما وقع فيه أهل الشرك .

فالجملة متصلة بجملة { إن جهنّم كانت مرصاداً للطاغين مئاباً } [ النبأ : 21 22 ] وهي مستأنفة استئنافاً ابتدائياً بمناسبة مُقتضِي الانتقال .

وافتتاحها بحرف { إنَّ } للدلالة على الاهتمام بالخبر لئلا يشك فيه أحد .

والمقصود من المتقين المؤمنون الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم واتبعوا ما أمرهم به واجتنبوا ما نهاهم عنه لأنهم المقصود من مقابلتهم بالطاغين المشركين .

والمفاز : مكان الفوز وهو الظفَر بالخير ونيل المطلوب . ويجوز أن يكون مصدراً ميمياً بمعنى الفوز ، وتنوينُه للتعظيم .

وتقديم خبر { إن } على اسمها للاهتمام به تنويهاً بالمتقين .

والمراد بالمفاز : الجنة ونعيمها . وأوثرت كلمة { مفازاً } على كلمة : الجنة ، لأن في اشتقاقه إثارة الندامة في نفوس المخاطبين بقوله : { فتأتون أفواجاً } [ النبأ : 18 ] وبقوله : { فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً } [ النبأ : 30 ] .