التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{فَأَنذَرۡتُكُمۡ نَارٗا تَلَظَّىٰ} (14)

يجوز أن تكون الفاء لمجرد التفريع الذِكري إذا كان فعل : « أنذرتكم » مستعملاً في ماضيه حقيقةً وكان المراد الإِنذار الذي اشتمل عليه قوله : { وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى } إلى قوله : { تردى } [ الليل : 8 11 ] . وهذه الفاء يشبه معناها معنى فاء الفصيحة لأنها تدلّ على مراعاة مضمون الكلام الذي قبلها وهو تفريع إنذار مفصَّللٍ على إنذارٍ مجمل .

ويجوز أن تكون الفاء للتفريع المعنوي فيكون فعلُ « أنذرتكم » مراداً به الحال وإنما صيغ في صيغة المضي لتقريب زمان الماضي من الحال كما في : قد قَامت الصلاة ، وقولهم : عزمت عليك إلاّ ما فعلت كذا ، أي أعزم عليك ، ومثل ما في صيغ العقود : كبعتُ ، وهو تفريع على جملة : { إن علينا للهدى } [ الليل : 12 ] والمعنى : هديكم فأنذرتكم إبلاغاً في الهدى .

وتنكير { ناراً } للتهويل ، وجملة { تلظى } نعت . وتلظى : تلتهب من شدة الاشتعال . وهو مشتق من اللّظى مصدر : لَظَيَتْ النار كرَضيتْ إذا التهبت ، وأصل { تلظى } تتلظى بتاءين حذفت إحداهما للاختصار .