المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{أُوْلَـٰٓئِكَ جَزَآؤُهُمۡ أَنَّ عَلَيۡهِمۡ لَعۡنَةَ ٱللَّهِ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ} (87)

ويحتمل أن يريد الإخبار عن أن الظالم في ظلمه ليس على هدى من الله ، فتجيء الآية عامة تامة العموم ، و «اللعنة » الإبعاد وعدم الرحمة والعطف ، وذلك مع قرينة الكفر زعيم بتخليدهم في النار ، ولعنة الملائكة قول ، و{ الناس } : بنو آدم ، ويظهر من كلام أبي علي الفارسي في بعض تعاليقه ، أن الجن يدخلون في لفظة الناس ، وأنشد على ذلك ، [ الوافر ]

فقلتُ إلى الطَّعامِ فَقَالَ مِنْهُمْ . . . أُناسٌ يَحْسُدُ الأَنَسَ الطَّعاما{[3310]}

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : والذي يظهر ، أن لفظة { الناس } إذا جاءت مطلقة ، فإنما هي في كلام العرب بنو آدم لا غير ، فإذا جاءت مقيدة بالجن ، فذلك على طريقة الاستعارة ، إذ هي جماعة كجماعة ، وكذلك { برجال من الجن }{[3311]} وكذلك { نفر من الجن }{[3312]} ، ولفظة النفر أقرب إلى الاشتراك من رجال وناس ، وقوله تعالى : { من الجنة والناس }{[3313]} قاض بتباين الصنفين ، وقوله تعالى : { والناس أجمعين }{[3314]} إما يكون لمعنى الخصوص في المؤمنين ويلعن بضعهم بعضاً ، فيجيء من هذا في كل شخص منهم أن لعنة جميع الناس ، وإما أن يريد أن هذه اللعنة تقع في الدنيا من جميع الناس على من هذه صفته ، وكل من هذه صفته - وقد أغواه الشيطان- يلعن صاحب الصفات ولا يشعر من نفسه أنه متصف بها ، فيجيء من هذا أنهم يلعنهم جميع الناس في الدنيا حتى أنهم ليلعنون أنفسهم ، لكن على غير تعيين .


[3310]:- نسب صاحب "خزانة الأدب" 3/3 البيت لشمير بن الحارث الضبي، وقيل: لتأبط شرا، وهي رواية الجرجاوي أيضا. وفي العيني على الشواهد: لجذع بن سنان الغساني في رواية من روى: "عموا صباحا". وأما على رواية من روى: "عموا ظلاما" فإنه ينسب إلى شمر بن الحارث الغساني: فقلت: إلى الطعام: أي: هلموا إليه، نحسد: يروى بالنون، ويروى بالمثناة التحتية، والإنس: البشر، أي يحسد الإنس على الطعام. والكلام مع الجن بدليل البيت قبله: أتوا ناري فقلت: منون أنتم فقالوا: الجن. قلت: عموا ظلاما.
[3311]:- من الآية (6) من سورة الجن.
[3312]:- من الآية (1) من سورة الجن.
[3313]:- من الآية (6) من سورة الناس.
[3314]:- تكررت أيضا في الآية (161) من سورة البقرة والآية (87) من سورة آل عمران.