المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَمۡ عِندَهُمُ ٱلۡغَيۡبُ فَهُمۡ يَكۡتُبُونَ} (47)

وقوله تعالى : { أم عندهم الغيب فهم يكتبون } معناه : هل لهم علم بما يكون فيدعون مع ذلك أن الأمر على اختيارهم جار .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَمۡ عِندَهُمُ ٱلۡغَيۡبُ فَهُمۡ يَكۡتُبُونَ} (47)

إضراب آخر انتقل به من مدارج إبطال مَعاذيرَ مفروضةٍ لهم أن يتمسكوا ببعضها تعلةً لإِعراضهم عن قبول دعوة القرآن ، قطعاً لما عسى أن ينتحلوه من المعاذير على طريقة الاستقراء ومنع الخلو .

وقد جاءَت الإِبطالات السالفة متعلقة بما يفرض لهم من المعاذير التي هي من قبيل مستندات من المشاهدات ، وانتُقل الآن إلى إبطال من نوع آخر ، وهو إبطال حجة مفروضة يستندون فيها إلى علم شيء من المعلومات المغيبات عن الناس . وهي مما استأثر الله بعلمه وهو المعبر عنه بالغَيْب ، كما تقدم في قوله تعالى : { الذين يؤمنون بالغيب } في سورة البقرة ( 3 ) . وقد استقر عند الناس كلهم أن أمور الغيب لا يعلمها إلاّ الله أو من أطْلَع من عباده على بعضها .

والكلام هنا على حذف مضاف ، أي أعندهم علم الغيب كما قال تعالى : { أعنده علم الغيب فهو يرى } في سورة النجم ( 35 ) .

فالمراد بقوله عندهم الغيب } أنه حصل في علمهم ومكنتهم ، أي بإطلاع جميعهم عليه أو بإبلاغ كبرائهم إليهم وتلقيهم ذلك منهم .

وتقديم { عندهم } على المبتدأ وهو معرفة لإِفادة الاختصاص ، أي صار علم الغيب عندهم لا عند الله .

ومعنى { يكتبون } : يَفرضون ويعينون كقوله : { كتب عليكم القصاص في القَتلى } [ البقرة : 178 ] وقوله : { كتاب الله عليكم } [ النساء : 24 ] ، أي فهم يفرضون لأنفسهم أن السعادة في النفور من دعوة الإِسلام ويفرضون ذلك على الدهماء من أتباعهم .

ومجيء جملة { فهم يكتبون } متفرعة عن جملة { أم عندهم الغيب ، } بناء على أن ما في الغيب مفروض كونه شاهداً على حكمهم لأنفسهم المشارِ إليه بقوله : { ما لكم كيف تحكمون } [ القلم : 36 ] كما علمته آنفاً .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَمۡ عِندَهُمُ ٱلۡغَيۡبُ فَهُمۡ يَكۡتُبُونَ} (47)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{أم عندهم} يقول: أعندهم علم {الغيب} بأن الله لا يبعثهم، وأن الذي يقول محمد غير كائن، أم عندهم بذلك كتاب {فهم يكتبون} ما شاءوا،...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

أعندهم اللوح المحفوظ الذي فيه نبأ ما هو كائن، فهم يكتبون منه ما فيه، ويجادلونك به، ويزعمون أنهم على كفرهم بربهم أفضل منزلة عند الله من أهل الأيمان به...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

هذا يحتمل أوجها:

أحدهما: أن عندهم علم الغيب بالذي ادّعوا أنّا نجعل المسلمين كالمجرمين؛ وذلك مكتوب عندهم، أو عند سلفهم علم الغيب، فوجدوه في كتبهم، ويعلم به خلفهم، فيخاصمونك به.

والثاني: هم قوم لم يكونوا يؤمنون بالكتب ولا بالرسل، فكيف يخاصمونك، ويكذبونك في ما تخبرهم، وإنما يوصل إلى التكذيب بما يثبت من العلم بخلافه، ويتأيد بأحد الوجهين اللذين ذكرناهما.

والثالث: يكون هذا في موضع الاحتجاج عليهم حين زعموا أنا نعبد الأصنام {ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3] ويكونوا لنا شفعاء. فما الذي حملهم على هذه الدعوى؟ {أم عندهم الغيب فهم يكتبون}.

والرابع: أن يكون القوم قد ألزموا أنفسهم الدينونة بدين الله، وأقروا له بالألوهية، وذلك يلزمهم العمل بما فيه تبجيل الله تعالى وما به يشكر الخلائق، وذلك لا يعرف إلا بالرسل عليهم السلام فقد عرفوا حاجة أنفسهم إلى من يعلّمهم علم الغيب. فما لهم امتنعوا عن الإجابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع حاجتهم إليه؟ أم عندهم علم الغيب، فيستغنون به عن الرسول عليه الصلاة والسلام؟...

لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن 741 هـ :

وهو استفهام على سبيل الإنكار...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما نفى أن يكون تكذيبهم بشهوة دعتهم إلى ذلك، نفى أن يكون لهم في ذلك شبهة من شك في الذكر أو حيف في المذكر، وأن يكونوا على ثقة أو ظن من سلامة العاقبة فقال: {أم عندهم} أي خاصة {الغيب} أي علموه من اللوح المحفوظ أو غيره {فهم} بسبب ذلك {يكتبون} أي ما يريدون منه ليكونوا قد اطلعوا على أن هذا الذكر ليس من عند الله أو على أنهم لا درك عليهم في التكذيب به، فقد علم بهذا أنه لا شهوة لهم في ذلك عادية ولا شبهة، وإنما تكذيبهم مجرد خبث طباع، وظلمة نفوس وأمالي فارغة وأطماع.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(أم عندهم الغيب فهم يكتبون؟).. ومن ثم فهم على ثقة مما في الغيب، فلا يخيفهم ما ينتظرهم فيه، فقد اطلعوا عليه وكتبوه وعرفوه؟ أو أنهم هم الذين كتبوا ما فيه. فكتبوه ضامنا لما يشتهون؟ ولا هذا ولا ذاك؟ فما لهم يقفون هذا الموقف الغريب المريب؟!...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

إضراب آخر انتقل به من مدارج إبطال مَعاذيرَ مفروضةٍ لهم أن يتمسكوا ببعضها تعلةً لإِعراضهم عن قبول دعوة القرآن، قطعاً لما عسى أن ينتحلوه من المعاذير على طريقة الاستقراء ومنع الخلو. وقد جاءَت الإِبطالات السالفة متعلقة بما يفرض لهم من المعاذير التي هي من قبيل مستندات من المشاهدات، وانتُقل الآن إلى إبطال من نوع آخر، وهو إبطال حجة مفروضة يستندون فيها إلى علم شيء من المعلومات المغيبات عن الناس. وهي مما استأثر الله بعلمه وهو المعبر عنه بالغَيْب، كما تقدم في قوله تعالى: {الذين يؤمنون بالغيب} في سورة البقرة (3). وقد استقر عند الناس كلهم أن أمور الغيب لا يعلمها إلاّ الله أو من أطْلَع من عباده على بعضها. والكلام هنا على حذف مضاف، أي أعندهم علم الغيب كما قال تعالى: {أعنده علم الغيب فهو يرى} في سورة النجم (35). فالمراد بقوله عندهم الغيب} أنه حصل في علمهم ومكنتهم، أي بإطلاع جميعهم عليه أو بإبلاغ كبرائهم إليهم وتلقيهم ذلك منهم. وتقديم {عندهم} على المبتدأ وهو معرفة لإِفادة الاختصاص، أي صار علم الغيب عندهم لا عند الله. ومعنى {يكتبون}: يَفرضون ويعينون كقوله: {كتب عليكم القصاص في القَتلى} [البقرة: 178] وقوله: {كتاب الله عليكم} [النساء: 24]، أي فهم يفرضون لأنفسهم أن السعادة في النفور من دعوة الإِسلام ويفرضون ذلك على الدهماء من أتباعهم. ومجيء جملة {فهم يكتبون} متفرعة عن جملة {أم عندهم الغيب،} بناء على أن ما في الغيب مفروض كونه شاهداً على حكمهم لأنفسهم المشارِ إليه بقوله: {ما لكم كيف تحكمون} [القلم: 36] كما علمته آنفاً...