معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَقَد تَّرَكۡنَٰهَآ ءَايَةٗ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ} (15)

قوله تعالى : { ولقد تركناها } يعني : الفعلة التي فعلنا ، { آية } يعتبر بها . وقيل : أراد السفينة . قال قتادة : أبقاها الله بباقردى من أرض الجزيرة . عبرةً وآية حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة ، { فهل من مدكر } يعني : متذكر متعظ معتبر خائف مثل عقوبتهم .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا زهير عن أبي إسحاق أنه سمع رجلاً سأل الأسود عن قوله : ( فهل من مدكر ) أو مذكر ؟ قال : سمعت عبد الله يقرؤها ( فهل من مدكر ) ، وقال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها : ( فهل من مدكر ) " دالاً " .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَد تَّرَكۡنَٰهَآ ءَايَةٗ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ} (15)

وقوله : { وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً } قال قتادة : أبقى الله سفينة نوح حتى أدركها أول هذه الأمة . والظاهر أن المراد من ذلك جنس السفن ، كقوله تعالى : { وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ . وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } [ يس : 41 ، 42 ] . وقال { إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ . لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } [ الحاقة : 11 ، 12 ] ، ولهذا قال ها هنا : { فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } أي : فهل من يتذكر ويتعظ ؟

قال الإمام أحمد : حدثنا حجاج ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الأسود ، عن ابن مسعود ، قال : أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم { فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } فقال رجل : يا أبا عبد الرحمن ، مُدَّكر أو مُذَّكر ؟ قال : أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم : { مُدَّكِرٍ } {[27773]}

وهكذا رواه البخاري : حدثنا يحيى ، حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الأسود {[27774]} بن يزيد ، عن عبد الله قال : قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم : { فَهَلْ مِنْ مُذَّكِرٍ } فقال النبي صلى الله عليه وسلم : { فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } {[27775]}

وروى البخاري أيضا من حديث شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن الأسود ، عن عبد الله ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ : { فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } {[27776]} .

وقال : حدثنا أبو نُعَيم ، حدثنا زُهَيْر ، عن أبي إسحاق ، أنه سمع رجلا يسأل الأسود : { فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } أو { مُذَّكِر } ؟ قال : سمعت عبد الله يقرأ : { فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } . وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها : { فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } دالا .

وقد أخرج مسلم هذا الحديث وأهل السنن إلا ابن ماجه ، من حديث أبي إسحاق {[27777]} .


[27773]:- (1) المسند (1/395).
[27774]:- (2) في م: "عن أبي الأسود".
[27775]:- (3) صحيح البخاري برقم (4874).
[27776]:-(4) صحيح البخاري برقم (4869).
[27777]:- (1) صحيح البخاري برقم (4871) وصحيح مسلم برقم (823) وسنن أبي داود برقم (3994) وسنن الترمذي برقم (2937) وسنن النسائي (2/150).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَد تَّرَكۡنَٰهَآ ءَايَةٗ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ} (15)

وقرأ يزيد بن رومان{[10770]} وعيسى وقتادة : «كَفَر » بفتح الكاف والفاء ، والضمير في : { تركناها } قال مكي بن أبي طالب هو عائد على هذه الفعلة والقصة . وقال قتادة والنقاش وغيره : هو عائد على هذه السفينة ، قالوا وإن الله تعالى أرسلها على الجودي حين تطاولت الجبال وتواضع وهو جبيل بالجزيرة بموضع يقال له باقردى ، وأبقى خشبها هنالك حتى رأت بعضه أوائل هذه الأمة . وقال قتادة : وكم من سفينة كانت بعدها صارت رصودا و : { مدكر } أصله : مذتكر ، أبدلوا من التاء ذالاً ليناسب الدال في النطق ، ثم أدغموا الدال في الدال ، وهي قراءة الناس ، قال أبو حاتم : رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح{[10771]} وقرأ قتادة : «مذكر » بالذال على إدغام الثاني في الأول ، قال أبو حاتم : وذلك رديء ويلزمه أن يقرأ { واذكر بعد أمة }{[10772]} و{ تذخرون في بيوتكم }{[10773]} .


[10770]:هو يزيد بن رومان المدني، مولى آل الزبير، قال عنه في تقريب التهذيب:"ثقة، من الخامسة، مات سنة ثلاثين، وروايته عن أبي هريرة مرسلة".
[10771]:فقد أخرج أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن جرير، والحاكم، وابن مردويه، عن بن مسعود قال: قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم:{فهل من مذكر} بالذال فقال:{فهل ن مدكر} بالدال.)الدر المنثور).
[10772]:من الآية (45) من سورة (يوسف).
[10773]:من الآية (49) من سورة (آل عمران).