وقوله : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ } أي : وإنا لنعلم يا محمد أنك يحصل لك من أذاهم لك انقباض وضيق صدر . فلا يهيدنك ذلك ، ولا يثنينك عن إبلاغك رسالة الله ، وتوكل على الله فإنه كافيك وناصرك عليهم ، فاشتغل بذكر الله وتحميده وتسبيحه وعبادته التي هي الصلاة ؛ ولهذا قال : { وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ } كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدِي ، حدثنا معاوية بن صالح ، عن أبي الزاهرية ، عن كثير بن مُرَّة ، عن نعيم بن هَمَّار{[16293]} أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " قال الله : يا ابن آدم ، لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره . .
ورواه أبو داود{[16294]} من حديث مكحول ، عن كثير بن مرة ، بنحوه{[16295]}
ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حَزبه أمر صلَّى .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَكُنْ مّنَ السّاجِدِينَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ولقد نعلم يا محمد أنك يضيق صدرك بما يقول هؤلاء المشركون من قومك من تكذيبهم إياك واستهزائهم بك وبما جئتهم به ، وأن ذلك يُحْرِجك . فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ يقول : فافزع فيما نابك من أمر تكرهه منهم إلى الشكر لله والثناء عليه والصلاة ، يكفك الله من ذلك ما أهمّك . وهذا نحو الخبر الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنه كان إذا حزَبَه أمر فَزِع إلى الصلاة » .
ثم أمره تعالى بملازمة الطاعة وأن تكون مسلاته عند الهموم ، وقوله { من الساجدين } يريد من المصلين ، فذكر من الصلاة حالة القرب من الله تعالى وهي السجود ، وهي أكرم حالات الصلاة وأقمنها بنيل الرحمة ، وفي الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة »{[7234]} فهذا منه عليه السلام أخذ بهذه الآية .
الباء في { بحمد ربك } للمصاحبة . والتقدير : فسبح ربّك بحمده ؛ فحُذف من الأول لدلالة الثاني . وتسبيح الله تنزيهه بقول : سُبحان الله .
والأمر في { وكن من الساجدين واعبد ربك } مستعملان في طلب الدّوام .
و { من الساجدين } أبلغ في الاتّصاف بالسجود من ( ساجداً ) كما تقدم في قوله تعالى : { وكونوا مع الصادقين } في سورة براءة ( 119 ) ، وقوله { قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين } في سورة البقرة ( 67 ) ونظائرهما .
والساجدون : هم المصلّون . فالمعنى : ودم على الصلاة أنتَ ومن معكَ .
وليس هذا موضع سجدة من سجود التلاوة عند أحد من فقهاء المسلمين . وفي « تفسير القرطبي » عن أبي بكر النقاش أن أبا حُذيفة ( لعلّه يعني به أبا حذيفة اليمان بن المغيرة البصري من أصحاب عكرمة وكان منكر الحديث ) واليمان بن رئاب ( كذا ) رأياها سجدةَ تلاوة واجبة .
قال ابن العربي : شاهدت الإمام بمحراب زكرياء من البيت المقدس سجد في هذا الموضع حين قراءته في تراويح رمضان وسجدتُ معه فيها . وسجود الإمام عجيب وسجود أبي بكر بن العربي معه أعجب للإجماع ؛ على أنه لا سجدة هنا ، فالسجود فيها يعدّ زيادة وهي بدعة لا محالة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.