محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ} (98)

[ 98 ] { فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين 98 } .

[ 97 ] { ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون 97 } .

{ ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون * فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين * واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } لما ذكر تعالى أن قومه يهزأون ويسفهون ، أعلمه بما يعلمه سبحانه منه ، من ضيق صدره وانقباضه بما يقولون . لأن الجبلّة البشرية والمزاج الإنساني يقتضي ذلك . ثم أعلمه بما يزيل ضيق الصدر والحزن ، وذلك بما أمره من التسبيح والتحميد والصلاة . كما قال تعالى{[5203]} : { واستعينوا بالصبر والصلاة } وقال{[5204]} : { ألا بذكر الله تطمئن القلوب } ومعلوم أن في الإقبال على ما ذكر ، استنزال الإمداد الرباني بالنصر والمعونة . لقوله{[5205]} : { إن الله مع الصابرين } . وقوله{[5206]} : { فاذكروني أذكركم } وقوله{[5207]} : { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } .

/ وقد روي في شمائله صلوات الله عليه ، أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ، تأويلا لما ذكر .

قال أبو السعود : وتحلية الجملة بالتأكيد لإفادة تحقيق ما تضمنته من التسلية . وفي التعرض لعنوان الربوبية ، مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام ، ما لا يخفى من إظهار اللطف به عليه الصلاة والسلام ، والإشعار بعلة الحكم ، أعني الأمر بالتسبيح والحمد . والمراد من { الساجدين } المصلين ، من إطلاق الجزء على الكل . و { اليقين } : الموت ، فإنه متيقن اللحوق بكل حي مخلوق . وإسناد الإتيان إليه ، للإيذان بأنه متوجه إلى الحي طالب للوصول إليه . والمعنى دم على العبادة ما دمت حيا . كقوله تعالى في سورة مريم{[5208]} : { وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا } .

وقيل : المراد ب { اليقين } تعذيب هؤلاء وأن ينزل بهم ما وعده . ولا ريب أنه من المتيقن ، إلا أن إرادة الموت منه ، أولى . يدل له قوله تعالى إخبارا عن أهل النار{[5209]} : { قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين } وما في ( الصحيح ) {[5210]} عن أم العلاء ، امرأة من الأنصار ، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على عثمان بن مظعون وقد مات ، قالت أم العلاء : رحمة الله عليك ، أبا السائب ! فشهادتي عليك ، لقد أكرمك الله ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما يدريك أن الله أكرمه ؟ فقلت : بأبي وأمي يا رسول الله ! فمن ؟ فقال : أما هو فقد جاءه اليقين ، وإني لأرجوا له الخير " .

/ تنبيه :

قال الحافظ ابن كثير : يستدل بهذه الآية الكريمة وهي قوله : { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } على أن العبادة ، كالصلاة ونحوها ، واجبة على الإنسان ما دام عقله ثابتا ، كما في ( صحيح البخاري ) {[5211]} عن عمران بن حصين رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صلّ قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا . فإن لم تستطع فعلى جنب " . ويستدل بها على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة سقط عنه التكليف عندهم . وهذا كفر وضلال وجهل . فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا هم وأصحابهم ، أعلم الناس بالله ، وأعرفهم بحقوقه وصفاته ، وما يستحق من التعظيم . وكانوا مع هذا ، أعبد الناس وأكثرهم مواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة . انتهى .


[5203]:[2 / البقرة / 45].
[5204]:[13 / الرعد / 28].
[5205]:[2 / البقرة / 153] و [8 / الأنفال / 46].
[5206]:[2 / البقرة / 152].
[5207]:[16 / النحل / 128].
[5208]:[19 / مريم / 31].
[5209]:[74 / المدثر / 43 –47].
[5210]:أخرجه البخاري في: 23- كتاب الجنائز، 3- باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في كفنه، الحديث رقم 666 (والحديث من إفراد البخاري).
[5211]:أخرجه البخاري في: 18 – كتاب تقصير الصلاة، 17- باب صلاة القاعد، حديث رقم 611 (والحديث من أفراد البخاري).