معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ مَنَنَّا عَلَيۡكَ مَرَّةً أُخۡرَىٰٓ} (37)

قوله تعالى : { ولقد مننا عليك } أنعمنا عليك { مرة أخرى } يعني : قبل هذه المرة وهي : { إذ أوحينا إلى أمك }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ مَنَنَّا عَلَيۡكَ مَرَّةً أُخۡرَىٰٓ} (37)

ولقد مننا عليك مرة أخرى . إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى . أن اقدفيه في التابوت فاقذفيه في اليم . فليلقه اليم بالساحل ، يأخذه عدو لي وعدو له . وألقيت عليك محبة مني ، ولتصنع على عيني . إذ تمشي أختك فتقول : هل أدلكم على من يكفله ? فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن . وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا ، فلبثت سنين في أهل مدين . ثم جئت على قدر يا موسى . واصطنعتك لنفسي . . . .

إن موسى - عليه السلام - ذاهب لمواجهة أقوى ملك في الأرض وأطغى جبار . إنه ذاهب لخوض معركة الإيمان مع الطغيان . إنه ذاهب إلى خضم من الأحداث والمشكلات مع فرعون أول الأمر ؛ ثم مع قومه بني إسرائيل وقد أذلهم الاستعباد الطويل وأفسد فطرتهم ، وأضعف استعدادهم للمهمة التي هم منتدبون لها بعد الخلاص . فربه يطلعه على أنه لن يذهب غفلا من التهيؤ والاستعداد . وأنه لم يرسل إلا بعد التهيئة والإعداد . وأنه صنع على عين الله منذ زمان ، ودرب على المشاق وهو طفل رضيع ، ورافقته العناية وسهرت عليه وهو صغير ضعيف . وكان تحت سلطان فرعون وفي متناوله وهو مجرد من كل عدة ومن كل قوة فلم تمتد إليه يد فرعون ، لأن يد القدرة كانت تسنده ، وعين القدرة كانت ترعاه . في كل خطاه . فلا عليه اليوم من فرعون ، وقد بلغ أشده . وربه معه . قد اصطنعه لنفسه ، واستخلصه واصطفاه .

( ولقد مننا عليك مرة أخرى ) . . فالمنة قديمة ممتدة مطردة ، سائرة في طريقها معك منذ زمان . فلا انقطاع لها إذن بعد التكليف الآن .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ مَنَنَّا عَلَيۡكَ مَرَّةً أُخۡرَىٰٓ} (37)

هذه{[19265]} إجابة من الله لرسوله موسى ، عليه السلام ، فيما سأل من ربه عز وجل ، وتذكير{[19266]} له بنعمه السالفة عليه ، فيما كان ألهم أمه حين كانت ترضعه ، وتحذر عليه من فرعون وملئه أن يقتلوه ؛ لأنه كان قد ولد في السنة التي يقتلون فيها الغلمان . فاتخذت له تابوتا ، فكانت{[19267]} ترضعه ثم تضعه فيه ، وترسله في البحر - وهو النيل - وتمسكه إلى منزلها بحبل فذهبت مرة لتربطه{[19268]} فانفلت منها وذهب به البحر ، فحصل لها من الغم والهم ما ذكره الله عنها في قوله : { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا } [ القصص : 10 ] فذهب به البحر إلى دار فرعون { فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا } [ القصص : 8 ] أي قدرًا مقدورًا{[19269]} من الله ، حيث كانوا هم يقتلون الغلمان{[19270]} من بني إسرائيل ، حذرًا من وجود موسى ، فحكم الله - وله السلطان العظيم ، والقدرة التامة - ألا يربى إلا على فراش فرعون ، ويغذى بطعامه وشرابه ، مع محبته وزوجته له ؛ ولهذا قال : { يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي } [ أي : عند عدوك ، جعلته يحبك . قال سلمة بن كُهَيْل : { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي } ]{[19271]} قال : حببتك إلى عبادي .

{ وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } قال أبو عمران الجوني : تربى بعين الله .

وقال قتادة : تغذى على عيني .

وقال معمر بن المثنى : { وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } بحيث أرى .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : يعني أجعله في بيت الملك ينعم ويترف ، غذاؤه عندهم غذاء الملك ، فتلك الصنعة .


[19265]:في ف، أ: "هذا".
[19266]:في ف، أ: "وتذكيرًا".
[19267]:في ف، أ: "وكانت".
[19268]:في ف، أ: "لتربط الحبل".
[19269]:في أ: "أي قدرا مقدرا".
[19270]:في أ: "العلماء"
[19271]:زيادة من أ.

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ مَنَنَّا عَلَيۡكَ مَرَّةً أُخۡرَىٰٓ} (37)

جملة { ولقد مَنَنَّا عليْكَ } معطوفة على جملة { قد أوتيتَ سُؤْلك } [ طه : 36 ] لأنّ جملة { قد أوتيت سؤلك } تتضمن منّة عليه ، فعطف عليها تذكير بمنّة عليه أخرى في وقت ازدياده ليعلم أنّه لما كان بمحل العناية من ربّه من أوّل أوقات وجوده فابتدأه بعنايته قبل سؤاله فعنايته به بعدَ سؤاله أحْرى ، ولأن تلك العناية الأولى تمهيد لما أراد الله به من الاصطفاء والرسالة ، فالكرم يقتضي أن الابتداء بالإحسان يستدعي الاستمرار عليه . فهذا طمأنة لفؤاده وشرح لصدره ليعلم أنه سيكون مؤيّداً في سائر أحواله المستقبلة ، كقوله تعالى لمحمد : { ولسوف يعطيك ربك فترضى ألم يجدك يتيماً فآوى ووجدك ضالاً فهدى ووجدك عائلاً فأغنى } [ الضحى : 5 8 ] .

وتأكيد الخبر بلام القسم و ( قد ) لتحقيق الخبر ، لأنّ موسى عليه السلام قد علم ذلك ، فتحقيق الخبر له تحقيق للازمه المراد منه ، وهو أن عناية الله به دائمة لا تنقطع عنه زيادة في تطمين خاطره بعد قوله تعالى : { قد أوتيت سؤلك } [ طه : 36 ] .

والمَرّة : فَعلة من المرور ، غلبت على معنى الفَعلة الواحدة من عمل معيّن يعرف بالإضافة أو بدلالة المقام . وقد تقدمت عند قوله تعالى : { وهم بدأوكم أول مرة } في سورة براءة ( 13 ) . وانتصاب { مَرَّةً } هنا على المفعولية المطلقة لفعل { مَنَنَّا } ، أي مرّة من المنّ . ووصفها بأخرى هنا باعتبار أنها غير هذه المنّة .

و { إذْ } ظرف للمنّة .