معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلۡمُقَرَّبُونَ} (11)

قوله تعالى : { أولئك المقربون } من الله .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلۡمُقَرَّبُونَ} (11)

ومن ثم يأخذ في بيان قدرهم عند ربهم ، وتفصيل ما أعده من النعيم لهم ، وتعديد أنواعه التي يمكن أن يدركها حس المخاطبين ، وتتناوله معارفهم وتجاربهم :

( أولئك المقربون . في جنات النعيم . ثلة من الأولين . وقليل من الآخرين . على سرر موضونة . متكئين عليها متقابلين . يطوف عليهم ولدان مخلدون . بأكواب وأباريق وكأس من معين . لا يصدعون عنها ولا ينزفون . وفاكهة مما يتخيرون . ولحم طير مما يشتهون . وحور عين . كأمثال اللؤلؤ المكنون . جزاء بما كانوا يعملون . لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما . إلا قيلا : سلاما سلاما ) . .

إنه يبدأ في بيان هذا النعيم ، بالنعيم الأكبر . النعيم الأسنى . نعيم القرب من ربهم : ( أولئك المقربون في جنات النعيم ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلۡمُقَرَّبُونَ} (11)

/ت7

وقال أحمد أيضا : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لَهِيعَة ، حدثنا خالد بن أبي عمران ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " أتدرون من السابقون إلى ظل يوم القيامة ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " الذين إذا أعطوا الحق قبلوه ، وإذا سئلوه بذلوه ، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم " {[27999]} .

وقال محمد بن كعب وأبو حَرْزَةَ يعقوب بن مجاهد : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } : هم الأنبياء ، عليهم السلام . وقال السُّدِّيّ : هم أهل عليين . وقال ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } ، قال : يوشع بن نون ، سبق إلى موسى ، ومؤمن آل " يس " ، سبق إلى عيسى ، وعلي بن أبي طالب ، سبق إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه ابن أبي حاتم ، عن محمد بن هارون الفلاس ، عن عبد الله بن إسماعيل المدائني البزاز ، عن شُعَيْب بن الضحاك المدائني ، عن سفيان بن عُيَيْنَة ، عن ابن أبي نَجِيح به .

وقال ابن أبي حاتم : وذكر محمد {[28000]} بن أبي حماد ، حدثنا مِهْرَان ، عن خارجة ، عن قُرَّة ، عن ابن سِيرين : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } الذين صلوا للقبلتين .

ورواه ابن جرير{[28001]} من حديث خارجة ، به .

وقال الحسن وقتادة : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } أي : من كل أمة .

وقال الأوزاعي ، عن عثمان بن أبي سودة أنه قرأ هذه الآية : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ . أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ } ثم قال : أولهم رواحًا إلى المسجد ، وأولهم خروجًا في سبيل الله .

وهذه الأقوال كلها صحيحة ، فإن المراد بالسابقين هم المبادرون إلى فعل الخيرات كما أمروا ، كما قال تعالى : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ } [ آل عمران : 133 ] ، وقال : { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأرْضِ } [ الحديد : 22 ] ، فمن سابق إلى هذه الدنيا وسبق إلى الخير ، كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة ، فإن الجزاء من جنس العمل ، وكما تدين تدان ؛ ولهذا قال تعالى : { أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ . فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ } .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن زكريا القزاز{[28002]} الرازي ، حدثنا خارجة بن مُصعَب ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن عبد الله بن عمرو قال : قالت الملائكة : يا رب ، جعلت لبني آدم الدنيا فهم يأكلون ويشربون ويتزوجون ، فاجعل لنا الآخرة . فقال : لا أفعل . فراجعوا ثلاثا ، فقال : لا أجعل من خلقت بيدي كمن قلت له : كن ، فكان . ثم قرأ عبد الله : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ . أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ . فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ } .

وقد روى هذا الأثر الإمام عثمان{[28003]} بن سعيد الدارمي في كتابه : " الرد على الجهمية " ، ولفظه : فقال الله عز وجل : " لن أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي ، كمن قلت له : كن فكان " {[28004]} .


[27999]:- (8) المسند (6/67).
[28000]:- (9) في أ: "وذكر عن محمد".
[28001]:- (10) في أ: "ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير".
[28002]:- (1) في أ: "الفزاري".
[28003]:- (2) في أ: "عمر".
[28004]:- (3) وقد رواه عثمان بن سعيد الدارمي فرفعه كما في البداية والنهاية (1/55) للمؤلف وقال: "وهو أصح" وله شاهد من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رواه ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/48) وقال: "هذا حديث لا يصح".

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلۡمُقَرَّبُونَ} (11)

وجملة { أولئك المقربون في جنات النعيم } ، مستأنفة استئنافاً بيانياً لأنها جواب عما يثيره قوله : { والسابقون السابقون } من تساؤل السامع عن أثر التنويه بهم .

وبذلك كان هذا ابتداء تفصيل لجزاء الأصناف الثلاثة على طريقة النشرِ بعد اللف ، نشراً مشوَّشاً تشويشاً اقتضته مناسبة اتصال المعاني بالنسبة إلى كل صنف أقربَ ذِكراً ، ثم مراعاةُ الأهمّ بالنسبة إلى الصنفين الباقيين فكان بعض الكلام آخذاً بحُجز بعض .

والمقرَّب : أبلغ من القريب لدلالة صيغته على الاصطفاء والاجتباء ، وذلك قُرب مجازي ، أي شُبه بالقرب في ملابسة القريب والاهتمام بشؤونه فإن المطيع بمجاهدته في الطاعة يكون كالمتقرب إلى الله ، أي طالب القرب منه فإذا بلغ مرتبة عالية من ذلك قرّبه الله ، أي عامله معاملة المقرّب المحبوب ، كما جاء : « ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحِبَّه فإذا أحببته كنت سمعَه الذي يسمع به وبصَره الذي يُبصر به ويدَه التي يبطش بها ورجلَه الذي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه » وكل هذه الأوصاف مجازيه تقريباً لمعنى التقريب .

ولم يُذكَر متعلِّق { المقربون } لظهور أنه مقرب من الله ، أي من عنايته وتفضيله ، وكذلك لم يذكر زَمان التقريب ولا مكانُه لقصد تعميم الأزمان والبقاع الاعتبارية في الدنيا والآخرة .

وفي جعل المسند إليه اسم إشارة تنبيه على أنهم أحرياء بما يخبر عنه من أجل الوصف الوارد قبل اسم الإشارة وهو أنهم السابقون على نحو ما تقدم في قوله تعالى : { أولئك على هدى من ربهم } في سورة البقرة ( 5 ) .