قوله : { والسابقون السابقون } . فيه أوجه{[54724]} :
أحدها : أنها مبتدأ وخبر ، وفي ذلك تأويلان :
أحدهما : أنه بمعنى : السابقون هم الذين اشتهرت حالتهم بذلك .
كقولهم : «أنت أنت ، والناس الناس » .
أنَا أبُو النَّجْمِ وشِعْرِي شِعْرِي{[54725]} *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وهذا يقال في تعظيم الأمر وتفخيمه ، وهو مذهب سيبويه{[54726]} .
التأويل الثاني : أن متعلق السابقين مختلف ؛ إذ التقدير : والسَّابقون إلى الإيمان السابقون إلى الجنة ، أو السابقون إلى طاعة الله السَّابقون إلى رحمته ، أو السابقون إلى الخير السابقون إلى الجنَّة .
الوجه الثاني : أن يكون السَّابقون الثاني تأكيداً للأول تأكيداً لفظيًّا ، و«أولئك المُقرَّبُون » جملة ابتدائية في موضع خبر الأول ، والرابط : اسم الإشارة ، كقوله تعالى : { وَلِبَاسُ التقوى ذلك خَيْرٌ } [ الأعراف : 26 ] ، في قراءة برفع «لِبَاس » في أحد الأوجه .
الثالث : أن يكون «السابقون » الثاني نعتاً للأول ، والخبر الجملة المذكورة .
وهذا ينبغي ألا يعرج عليه ، كيف يوصف الشيء بلفظه ، وأي فائدة في ذلك ؟ .
قال شهاب الدين{[54727]} : والأقرب عندي إن وردت هذه العبارة ممن يعتبر أن يكون سمى التَّأكيد صفة ، وقد فعل سيبويه قريباً من هذا{[54728]} .
الرابع : أن يكون الوقف [ على قوله ]{[54729]} «والسَّابقون » ، ويكون قوله { السَّابقون ، أولئك المقربون } ابتداء وخبراً .
وهذا يقتضي أن يعطف «والسَّابقون » على ما قبله ، لكن لا يليق عطفه على ما قبله ، وإنما يليق عطفه على أصحاب الميمنة ، كأنه قيل : وأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة والسابقون ، أي : وما السابقون ؟ تعظيماً لهم ، فيكونون شركاء أصحاب الميمنة في التعظيم ، ويكون قوله على هذا : { وأصحاب المَشْأمة ما أصحاب المشأمة } اعتراضاً بين المتعاطفين ، وفي هذا الوجه تكلف كثير جداً{[54730]} .
فصل في المراد بالسابقين{[54731]}
قال عليه الصلاة والسلام : «السَّابقُون الَّذينَ إذَا أعْطُوا الحقَّ قبلوهُ ، وإذا سُئِلُوه بذلُوهُ ، وحَكمُوا للنَّاسِ كحُكْمِهِمْ لأنفُسِهِمْ »{[54732]} .
وقال محمد بن كعب القرظي : هم الأنبياء{[54733]} .
وقال الحسن وقتادة : هم السابقون إلى الإيمان من كل أمة{[54734]} .
وقال محمد بن سيرين : هم الذين صلّوا إلى القبلتين{[54735]} ، قال تعالى : { والسابقون الأولون مِنَ المهاجرين والأنصار } [ التوبة : 100 ] .
وقال مجاهد والضحاك : هم السَّابقون إلى الجهاد ، وأول الناس رواحاً إلى صلاة الفرائض في الجماعة{[54736]} وقال علي رضي الله عنه : هم السابقون إلى الصَّلوات الخمس{[54737]} .
وقال سعيد بن جبير : إلى التوبة ، وأعمال البر ، قال تعالى : { وسارعوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السماوات والأرض } [ آل عمران : 133 ] ثم أثنى عليهم فقال : { أولئك يُسَارِعُونَ فِي الخيرات وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } [ المؤمنون : 61 ] .
وقيل : إنهم أربعة : منهم سابق أمة موسى ، وهو حزقيل مؤمن آل فرعون ، وسابق أمة عيسى ، وهو حبيب النَّجَّار صاحب «أنْطَاكية » ، وسابقان في أمّة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهما أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - قاله ابن عباس .
وقال شميط بن العجلان : النَّاس ثلاثة : فرجل ابتكر للخير في حداثة سنه ، ثم داوم عليه حتى خرج من الدنيا ، فهذا هو السَّابق المقرب ثم طول الغفلة ثم رجع بتوبته حتى ختم له بها ، فهذا من أصحاب اليمين ، ورجل ابتكر عمره بالذنوب ، ثم لم يزل عليها حتى ختم له بها ، فهذا من أصحاب الشمال .
وروي عن كعب قال : هم أهل القرآن المتوجون يوم القيامة{[54738]} .
وقيل : هم أول الناس رواحاً إلى المسجد ، وأولهم خروجاً في سبيل الله { أولئك المقربون في جنات النعيم } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.