قوله تعالى : { ليس لها من دون الله كاشفة } أي : مظهرة مقيمة كقوله تعالى : { لا يجليها لوقتها إلا هو }( الأعراف-187 ) ، والهاء فيه للمبالغة أو على تقدير : نفس كاشفة . ويجوز أن تكون الكاشفة مصدراً كالخالية والغافية ، والمعنى : ليس لها من دون الله كاشف ، أي لا يكشف عنها ولا يظهرها غيره . وقيل : معناه : ليس لها راد يعني : إذا غشيت الخلق أهوالها وشدائدها لم يكشفها ولم يردها عنهم أحد ، وهذا قول عطاء وقتادة والضحاك .
وقوله : لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللّهِ كاشِفَةٌ يقول تعالى ذكره : ليس للاَزفة التي قد أزفت ، وهي الساعة التي قد دنت من دون الله كاشف ، يقول : ليس تنكشف فتقوم إلاّ بإقامة الله إياها ، وكشفها دون من سواه من خلقه ، لأنه لم يطلع عليها مَلَكا مقرّبا ، ولا نبيا مرسلاً . وقيل : كاشفة ، فأنثت ، وهي بمعنى الانكشاف كما قيل : فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ بمعنى : فهل ترى لهم من بقاء وكما قيل : العاقبة وماله من ناهية ، وكما قيل لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ بمعنى تكذيب ، وَلا تَزَالُ تَطّلعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ بمعنى خيانة .
وقوله : { كاشفة } يحتمل أن يكون صفة لمؤنث ، التقدير : حالة { كاشفة } ، أو منة { كاشفة } . قال الرماني أو جماعة ، ويحتمل أن يكون مصدراً كالعاقبة و { خائنة الأعين }{[10741]} [ غافر : 19 ] . ويحتمل أن يكون بمعنى كاشف ، والهاء للمبالغة ، كما قال : { فهل ترى لهم من باقية }{[10742]} [ الحاقة : 8 ] وأما معنى { كاشفة } فقال الطبري والزجاج : هو من كشف السر ، أي ليس من دون الله من يكشف وقتها ويعلمه . وقال الزهراوي عن منذر بن سعيد : هو من كشف الضر ودفعه ، أي ليس من يكشف خطبها وهولها .
وقرأ طلحة : { ليس لها } مما تدعون { من دون الله كاشفة } وهي على الظالمين سوءات الغاشية{[10743]} ، وهذا الحديث هو القرآن .
وجملة { ليس لها من دون الله كاشفة } مستأنفة بيانية أو صفة ل { الأزفة } . و { كاشفة } يجوز أن يكون مصدراً بوزن فاعلة كالعافية ، وخائنة الأعين ، وليس لوقعتها كاذبة . والمعنى ليس لها كشف .
ويجوز أن يكون اسمَ فاعل قرن بهاء التأنيث للمبالغة مثل راوية ، وباقعة ، وداهية ، أي ليس لها كاشف قوي الكشف فضلاً عمن دونه .
والكشف يجوز أن يكون بمعنى التعرية مراد به الإِزالة مثل ويكشف الضر ، وذلك ضد ما يقال : غشية الضر .
فالمعنى : لا يستطيع أحد إزالة وعيدها غير الله ، وقد أخبر بأنها واقعة بقوله : { ليس لها من دون الله كاشفة } كناية عن تحقق وقوعها .
ويجوز أن يكون الكشف بمعنى إزالة الخفاء ، أي لا يبين وقت الآزفة أحد له قدرة على البيان على نحو قوله تعالى : { لا يجليها لوقتها إلا هو } [ الأعراف : 187 ] . فالمعنى : أن الله هو العالم بوقتها لا يعلمه أحد إلا إذا شاء أن يطلع عليه أحداً من رسله أو ملائكته .
و { من دون الله } أي غير الله ، و { من } مزيدة للتوكيد ، وهو متعلق بالكون الذي ينوى في خبر ليس قوله : { لها } .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ليس لها من دون الله كاشفة} يقول: لا يكشفها أحد إلا الله، يعني الساعة لا يكشفها أحد من الآلهة إلا الله تعالى الذي يكشفها...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللّهِ كاشِفَةٌ "يقول تعالى ذكره: ليس للآزفة التي قد أزفت، وهي الساعة التي قد دنت من دون الله كاشف، يقول: ليس تنكشف فتقوم إلاّ بإقامة الله إياها، وكشفها دون من سواه من خلقه، لأنه لم يطلع عليها مَلَكا مقرّبا، ولا نبيا مرسلاً.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ليس لها من دون الله كاشِفة} دلّت الآية على أن الله تعالى لم يُؤت علم قيام الساعة ووقوعها أحدا، وهو كقوله تعالى: {لا يُجلّيها لوقتها إلا هو} [الأعراف: 187]...
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
{لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} مظهرة مقيمة، و (الهاء) فيه للمبالغة وقال قتادة: ليس لها من دون الله رادّ، وقيل: ليس لها من دون الله كشف وقيام، ولا تقوم إلاّ بإقامة الله إياها.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
معناه لا يقدر أن يقيمها إلا الله وحده، وليس يجلي عنها ويكشف عنها سواه. وقيل كاشفة أي جامعة كاشفة أي نفس كاشفة...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
ولا يقدر أحدٌ على إقامتها إلا الله، وإذا أقامها فلا يقدر أحدِّ على ردِّها وكَشْفِها إلا الله.
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
فاستعدوا لهذا اليوم قبل أن تأخذكم الساعة بغتة وأنتم لا تشعرون، فتندموا ولات ساعة مندم، وجدوا للعمل قبل حلول الأجل.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والكشف يجوز أن يكون بمعنى التعرية مراد به الإِزالة مثل ويكشف الضر، وذلك ضد ما يقال: غشية الضر. فالمعنى: لا يستطيع أحد إزالة وعيدها غير الله، وقد أخبر بأنها واقعة بقوله: {ليس لها من دون الله كاشفة} كناية عن تحقق وقوعها. و {من دون الله} أي غير الله، و {من} مزيدة للتوكيد، وهو متعلق بالكون الذي ينوى في خبر ليس قوله: {لها}.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.