مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{لَيۡسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ} (58)

ثم قال تعالى : { ليس لها من دون الله كاشفة } فيه وجوه : ( أحدها ) لا مظهر لها إلا الله فمن يعلمها لا يعلم إلا بإعلام الله تعالى إياه وإظهاره إياها له ، فهو كقوله تعالى : { إن الله عنده علم الساعة } وقوله تعالى : { لا يجليها لوقتها إلا هو } . ( ثانيها ) لا يأتي بها إلا الله ، كقوله تعالى : { وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو } وفيه مسائل :

الأولى : { من } زائدة تقديره ليس لها غير الله كاشفة ، وهي تدخل على النفي فتؤكد معناه ، تقول : ما جاءني أحد وما جاءني من أحد ، وعلى هذا يحتمل أن يكون فيه تقديم وتأخير ، تقديره ليس لها من كاشفة دون الله ، فيكون نفيا عاما بالنسبة إلى الكواشف ، ويحتمل أن يقال : ليست بزائدة بل معنى الكلام أنه ليس في الوجود نفس تكتشفها أي تخبر عنها كما هي ومتى وقتها من غير الله تعالى يعني من يكشفها فإنما يكشفها من الله لا من غير الله يقال : كشف الأمر من زيد ، ودون يكون بمعنى غير كما في قوله تعالى : { أئفكا آلهة دون الله تريدون } أي غير الله .

المسألة الثانية : كاشفة صفة لمؤنث أي نفس كاشفة ، وقيل هي للمبالغة كما في العلامة وعلى هذا لا يقال بأنه نفى أن يكون لها كاشفة بصيغة المبالغة ولا يلزم من الكاشف الفائق نفي نفس الكاشف ، لأنا نقول : لو كشفها أحد لكان كاشفا بالوجه الكامل ، فلا كاشف لها ولا يكشفها أحد وهو كقوله تعالى : { وما أنا بظلام للعبيد } من حيث نفى كونه ظالما مبالغا ، ولا يلزم منه نفي كونه ظالما ، وقلنا هناك : إنه لو ظلم عبيده الضعفاء بغير حق لكان في غاية الظلم وليس في غاية الظلم فلا يظلمهم أصلا .

المسألة الثالثة : إذا قلت : إن معناه ليس لها نفس كاشفة ، فقوله : { من دون الله } استثناء على الأشهر من الأقوال ، فيكون الله تعالى نفسا لها كاشفة ؟ نقول : الجواب عنه من وجوه ( الأول ) لا فساد في ذلك قال الله تعالى : { ولا أعلم ما في نفسك } حكاية عن عيسى عليه السلام والمعنى الحقيقة . ( الثاني ) ليس هو صريح الاستثناء فيجوز فيه أن لا يكون نفسا ( الثالث ) الاستثناء الكاشف المبالغ .