اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَيۡسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ} (58)

قوله : { لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله كَاشِفَةٌ } يجوز أن يكون «كَاشِفَةٌ » وصفاً{[53805]} وأن يكون مصدراً{[53806]} ، فإن كانت وصفاً احتمل أن يكون التأنيث لأجل أنه صفة لمؤنث محذوف فقيل : تقديره : نَفْسٌ كَاشِفَةٌ أو حالٌ كَاشِفَةٌ .

فإن قيل : إذا قدرتها نفسٌ كاشفة ، وقوله { مِن دُونِ الله } استثناء على المشهور فيكون الله نفساً كاشفة{[53807]} ؟

فالجواب من وجوه :

الأول : لا فساد في ذلك لقوله تعالى حكايةً عن عيسى - عليه الصلاة والسلام - { وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ } [ المائدة : 116 ] .

الثاني : ليس صريحاً في الاستثناء فيجوز أن لا يكون نفساً .

الثالث : الاستثناء الكاشف المُبَالِغ{[53808]} ويحتمل أن يكون التاء للمبالغة كَرَاوية ، وعَلاَّمَة ونَسَّابَة أي ليس لها إنسان كاشفة أي كثير الكشف .

وإن كانت مصدراً ، فهي كالخَائِنَة والعَافِيَة والْعَاقِبَة ، والمعنى ليس لها من دون الله كشفٌ أي لا يكشف عنها ، ولا يظهرها غيره ، فيكون من كشف الشيء أي عرف حقيقته{[53809]} ، كقوله : { لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ } [ الأعراف : 187 ] وإما من كشف الضر أي أزالهُ . والمعنى ليس لها من يزيلها ويردها إذا غَشِيَت الخَلْقَ أهْوالُها وشدائدُها لم يكشفها أحد عنهم غيره . وهذا قول عطاء وقتادة والضحاك{[53810]} . وتقدم الكلام على مادة «أَزِفَ » في غافر .

و«مِنْ » زائدة ، تقديره ليس لها غيرُ الله كَاشفة ، وهي تدخل على النفي فتؤكد معناه تقول : مَا جَاءَنِي أَحَدٌ ، ومَا جَاءنِي مِنْ أَحَدٍ ، وعلى هذا يحتمل أن يكون فيه تقديم وتأخير أي ليس لها من كاشفة دونَ الله فيكون نفياً عاماً بالنسبة إلى الكواشف ، ويحتمل أن تكون غير زائدة ، والمعنى ليس لها في الوجود نفس تكشفها{[53811]} أي تخبر عنها كما هي من غير{[53812]} الله يعني من يكشفها فإنما يكشفها من الله لا من غير الله كقولك : كَشَفْتُ الأَمْرَ مِنْ زَيْدٍ . و«دون » يكون بمعنى غير كقوله تعالى : { أئِفْكاً آلِهَةً دُونَ الله تُرِيدُونَ } [ الصافات : 86 ] أي غير الله .


[53805]:وهو رأي الزجاج فيما نقله عنه أبو حيان في البحر 8/170.
[53806]:وهو رأي الزمخشري في الكشاف 4/35 والرماني في البحر المرجع السابق على أن الرأي السابق هو رأي الزمخشري الأول، وللرازي رأيه كما سيأتي الآن.
[53807]:في الرازي: نفسا لها كاشفة.
[53808]:اسما فاعل.
[53809]:وهو رأي للرماني وجماعة كما أخبر بطلك صاحب البحر المحيط 8/170.
[53810]:البغوي والخازن في معالم التنزيل ولباب التأويل 6/271.
[53811]:في الرازي: تكتشفها.
[53812]:وفيه: كما هي ومتى وقتها من غير الله.