ثم يتحسر أن لا شيء نافعه مما كان يعتز به أو يجمعه : ( ما أغنى عني ماليه ) . . ( هلك عني سلطانيه ) . . فلا المال أغنى أو نفع . ولا السلطان بقي أو دفع . . والرنة الحزينة الحسيرة المديدة في طرف الفاصلة الساكنة وفي ياء العلة قبلها بعد المد بالألف ، في تحزن وتحسر . . هي جزء من ظلال الموقف الموحية بالحسرة والأسى إيحاء عميقا بليغا . .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الذي أوتي كتابه بشماله : ما أغْنَى عَنّى ماليَهْ يعني أنه لم يدفع عنه ماله الذي كان يملكه في الدنيا من عذاب الله شيئا هَلَكَ عَنّى سُلْطانِيَهْ يقول : ذهبت عنى حججى ، وضلت ، فلا حجة لي أحتجّ بها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، مقال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس هَلَكَ عَنّى سُلْطانِيَهْ يقول : ضلت عنى كلّ بينة فلم تغن عنى شيئا .
حدثني عبد الرحمن بن الأسود الطّفاويّ ، قال : حدثنا محمد بن ربيعة ، عن النضر بن عربي ، قال : سمعت عكرِمة يقول : هَلَكَ عَنّى سُلْطانِيَهْ قال : حُجتي .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله هَلَكَ عَنّى سُلْطَانِيَهْ قال : حُجتي .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله هَلَكَ عَنّى سُلْطانِيَهْ أما والله ما كلّ من دخل النار كان أمير قرية يجبيها ، ولكن الله خلقهم ، وسلطهم على أقرانهم ، وأمرهم بطاعة الله ، ونهاهم عن معصية الله .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : هَلَكَ عَنّى سُلْطَانِيَهْ يقول : بينتي ضلّت عني .
وقال آخرون : عنى بالسلطان في هذا الموضع : الملك . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : هَلَكَ عَنّى سُلْطانِيَهْ قال : سلطان الدنيا .
ومعنى هلاك السلطان : عدم الانتفاع به يومئذٍ فهو هلاك مجازي . وضمّن { هلك } معنى ( غاب ) فعدي ب ( عن ) ، أي لم يحضرني سلطاني الذي عهدته .
والقول في هاءَات { كتابيهْ ، وحسابيهْ ، وماليهْ ، وسلطانيهْ } ، كالقول فيما تقدم إلاّ أن حمزة وخلفاً قرآ هنا { ما أغنى عني مالِيه هلك عني سلطانيه } بدون هاء في حالة الوصل .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"هَلَكَ عَنّى سُلْطانِيَهْ" يقول: ذهبت عنى حججي، وضلت، فلا حجة لي أحتجّ بها... وقال آخرون: عنى بالسلطان في هذا الموضع: الملك... قال ابن زيد، في قوله: "هَلَكَ عَنّى سُلْطانِيَهْ" قال: سلطان الدنيا.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ذُكِر عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: كل سلطان في القرآن فهو حجة. والأصل أن كل كافر كان يحتج في الدنيا لنفسه بحجج باطلة: فمرة يقول: {ما أنت إلا بشر مثلنا} [الشعراء: 154 و 186]، ويقول مرة: {ما هذا إلا أساطير الأولين} [الأحقاف: 17] ومرة يقول: {هذا سحر} [النمل: 13 و..] ومرة يقول: {مجنون} [الدخان: 14] وغير ذلك فيصير يقول: {هلك عني سلطانيه} أي هلكت تلك الحجج التي كنا نتشبث بها، واضمحلت، وظننا أنها حجج.
ومنهم من يقول: السلطان هو القدر والشرف، أي ذهب ذلك كله.
وقيل: أي هلك عني تكبري وسلطاني على الأشياء في الدنيا وترك الاكتراث إليهم. وجائز أن يكون أراد به أن السلطان الذي كان لي على نفسي في الدنيا قد انقطع لأنه كان يملك استعماله في أمر مرضاة الله، فيقول: قد انقطع ذلك السلطان لأني لا أملك استعماله في ما أستوجب به مرضاة الرب، لأنه يسلم، فلا يقبل منه إسلامه.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{هَلَكَ عَنّى سلطانيه} ملكي وتسلطي على الناس، وبقيت فقيراً ذليلاً.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
سلطان كل أحد حاله في الدنيا من عدد وعُدد، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه».
وقيل معناه: إنني إنما كنت أنازع المحقين بسبب الملك والسلطان، فالآن ذهب ذلك الملك وبقي الوبال.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان المال سبب الوصول إلى السلطان، قال نافياً لما أوصله إليه ماله شارحاً لعدم إغنائه، {هلك عني} أي مجاوزاً لي حتى كأني لم أكن فيه ساعة قط {سلطانيه} أي تسلطي على الدعاة إلى الله بالشبه الباطلة التي كان ينطلق اللسان بها فأساعده عليها مع ظهور بطلانها.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم يتحسر أن لا شيء نافعه مما كان يعتز به أو يجمعه: (ما أغنى عني ماليه).. (هلك عني سلطانيه).. فلا المال أغنى أو نفع. ولا السلطان بقي أو دفع.. والرنة الحزينة الحسيرة المديدة في طرف الفاصلة الساكنة وفي ياء العلة قبلها بعد المد بالألف، في تحزن وتحسر.. هي جزء من ظلال الموقف الموحية بالحسرة والأسى إيحاء عميقا بليغا..
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.