وعند هذا الحد كان الملأ من قوم نوح قد يئسوا من مناهضة الحجة بالحجة ؛ فإذا هم - على عادة طبقتهم - قد أخذتهم العزة بالإثم ، واستكبروا أن تغلبهم الحجة ، وأن يذعنوا للبرهان العقلي والفطري . وإذا هم يتركون الجدل إلى التحدي :
( قالوا : يا نوح قد جادلتنا ، فأكثرت جدالنا ، فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين )
إنه العجز يلبس ثوب القدرة ، والضعف يرتدي رداء القوة ؛ والخوف من غلبة الحق يأخذ شكل الاستهانة والتحدي :
( فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) . .
وأنزل بنا العذاب الأليم الذي أنذرتنا به فلسنا نصدقك ، ولسنا نبالي وعيدك .
يقول تعالى مخبرًا عن استعجال قوم نوح نقمة الله وعذابه وسخطه ، والبلاء موكل بالمنطق : { قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا } أي : حاججتنا فأكثرت من ذلك ، ونحن لا نتبعك { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } أي : من النقمة والعذاب ، ادع علينا بما شئت ، فليأتنا ما تدعو به{[14577]} ، { إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ } أي : إنما الذي يعاقبكم ويعجلها لكم الله الذي لا يُعجِزُه شيء
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُواْ يَنُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقِينَ } .
يقول تعالى ذكره : قال قوم نوح لنوح عليه السلام : قد خاصمتنا فأكثرت خصومتنا ، فأتنا بما تعدنا من العذاب إن كنت من الصادقين في عداتك ودعواك أنك لله رسول . يعني بذلك أنه لن يقدر على شيء من ذلك .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : جادَلْتَنا قال : ماريتنا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد : قالوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا قال : ماريتنا ، فَأكْثَرْتَ جِدَالَنا فَأْتِنا بِمَا تَعِدُنا قال ابن جُرَيج : تكذيبا بالعذاب ، وأنه باطل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.