اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالُواْ يَٰنُوحُ قَدۡ جَٰدَلۡتَنَا فَأَكۡثَرۡتَ جِدَٰلَنَا فَأۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (32)

قوله تعالى : { قَالُواْ يا نوح قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين } .

قرأ ابنُ عبَّاس{[18764]} - رضي الله عنهما - " جَدَلنا " كقوله : { أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } [ الكهف : 54 ] .

ونقل أبو البقاء أنه قرىء " جَدَلْتنا فأكْثَرْتَ جدلنا " بغير ألفٍ فيهما ، وقال : " هو بمعنى غلبتنا بالجَدلِ " .

وقوله : " بِمَا تَعِدُنَا " يجوزُ أن يكون " ما " بمعنى " الذي " ، فالعائدُ محذوفٌ ، أي : تَعدناه .

ويجوزُ أن تكون مصدرية ، أي : بوعدك إيَّانا .

وقوله : " إن كنت " جوابه محذوفٌ أو متقدِّم وهو " فَأتِنَا " .

فصل

دلَّت هذه الآية على أنَّه - صلوات الله وسلامه عليه - كان قد أكثر في الجدال معهم وذلك الجدالُ كان في بيان التَّوحيد ، والنبوة ، والمعاد ، وهذا يدلُّ على أنَّ المجادلة في تقرير الدَّلائل وفي إزالةِ الشُّبُهاتِ حرفةُ الأنبياءِ ، وأنَّ التقليدَ والجَهْلَ والإصرار حرفةُ الكفَّار ، ودلَّت على أنَّهم استعجلوا العذاب الذي كان يعدهم به ، فقالوا : { فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين } ثُمَّ إنه - عليه الصلاة والسلام - أجابهم بقوله :


[18764]:ينظر: المحرر الوجيز 3/166، البحر المحيط 5/219، الدر المصون 4/96.