وأخيراً يجيء شكهم في الوعد ، واستهزاؤهم بالوعيد :
( ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ? ) . .
ووعد الله لا يستقدم لاستعجال البشر ؛ ولا يستأخر لرجائهم في تأخيره . فكل شيء عند الله بمقدار . وكل أمر مرهون بوقته المرسوم . إنما تقع الأمور في مواعيدها وفق حكمة الله الأزلية التي تضع كل شيء في مكانه ، وكل حادث في إبانه ، وتمضي في تصريف هذا الكون وما فيه ومن فيه وفق النظام المقدر المرسوم في إمام مبين .
أما الرد على هذا السؤال المنكر فيجيء في مشهد من مشاهد القيامة يرون فيه كيف يكون ، لا متى يكون . .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَقُولُونَ مَتَىَ هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } .
يقول تعالى ذكره : ويقول هؤلاء المشركون المكذّبون وعيدَ الله ، والبعثَ بعد الممات ، يستعجلون ربهم بالعذاب مَتى هَذَا الوَعْدُ : أي الوعد بقيام الساعة إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أيها القوم ، وهذا قولهم لأهل الإيمان بالله ورسوله .
ذكر عقب استهزائهم بالمؤمنين لمّا منعوهم الإِنفاق بعلة أن الله لو شاء لأطعمهم استهزاء آخر بالمؤمنين في تهديدهم المشركين بعذاب يحلّ بهم فكانوا يسألونهم هذا الوعد استهزاء بهم بقرينة قوله : { إن كنتم صادِقِينَ } ، فالاستفهام مستعمل كناية عن التهكم والتكذيب . وأطلق الوعد على الإِنذار والتهديد بالشر لأن الوعد أعمّ ويتعين للخير والشر بالقرينة . واسم الإِشارة للوعد مستعمل في الاستخفاف بوعد العذاب كما في قول قيس بن الخطيم :
متى يأت هذا الموتُ لا يُلف حاجة *** لنفسي إلا قد قضيتُ قضاءها
وإذا قد كان استهزاؤهم هذا يسوء المسلمين أعلم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بأن الوعد واقع لا محالة وأنهم ما ينتظرون إلا صيحة تأخذهم فلا يُفلتون من أخذتها .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} بأن العذاب نازل بنا في الدنيا.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ويقول هؤلاء المشركون المكذّبون وعيدَ الله، والبعثَ بعد الممات، يستعجلون ربهم بالعذاب "مَتى هَذَا الوَعْدُ": أي الوعد بقيام الساعة "إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ "أيها القوم، وهذا قولهم لأهل الإيمان بالله ورسوله.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
... وكأنهم خوّفوا بترك الإنفاق بالعذاب، فقالوا عند ذلك: {متى هذا الوعد إن كنتم صادقين}.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
يستعجلون هجومَ الساعة، ويستبطئون قيامَ القيامة -لا عن تصديقٍ يُريحهم من شَكِّهم، أو عن خوفٍ يمنعهم عن غَيِّهم، ولكن تكذيباً لدعوة الرسل، وإنكاراً لِصِحة النبوة، واستبعاداً للنشر والحشر. ويومَ القيامةِ هم في العذاب مُحْضَرُون، ولا يُكْشَفُ عنهم، ولا يُنْصَرُون...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
سموا ذلك وعداً من حيث قيدته قرائن الكلام أنه في شر، والوعد متى ورد مطلقاً فهو في خير، وإذا قيدته بقرينة الشر استعمل فيه، والوعيد دائماً إنما هو في الشر.
إشارة إلى ما اعتقدوه وهو أن التقوى المأمور بها في قوله: {وإذا قيل لهم اتقوا} والإنفاق المذكور في قوله تعالى: {وإذا قيل لهم أنفقوا} لا فائدة فيه؛ لأن الوعد لا حقيقة له.
وقوله: {متى هذا الوعد} أي متى يقع الموعود به، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: وهي أن إن للشرط وهي تستدعي جزاء، ومتى استفهام لا يصلح جزاء فما الجواب؟ نقول هي في الصورة استفهام، وفي المعنى إنكار كأنهم قالوا إن كنتم صادقين في وقوع الحشر فقولوا متى يكون.
المسألة الثانية: الخطاب مع من في قولهم: {إن كنتم}؟ نقول الظاهر أنه مع الأنبياء؛ لأنهم لما أنكروا الرسالة قالوا إن كنتم يا أيها المدعوون للرسالة صادقين فأخبرونا متى يكون.
المسألة الثالثة: ليس في هذا الموضع وعد، فالإشارة بقوله: {هذا الوعد} إلى أي وعد؟ نقول هو ما في قوله تعالى: {وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم} من قيام الساعة، أو نقول هو معلوم وإن لم يكن مذكورا لكون الأنبياء مقيمين على تذكيرهم بالساعة والحساب والثواب والعقاب.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما ذكر قلة خيرهم المستندة إلى تهكمهم باليوم الذي ذكروا به بالأمر بالاتقاء والتعليل بترجي الرحمة، أتبعه حكاية استهزاء آخر منهم دال على عظيم جهلهم بتكذيبهم بما يوعدون على وجه التصريح بذلك اليوم والتصوير له بما لا يسع من له أدنى مسكة غير الانقياد له فقال: {ويقولون} أي: عادة مستمرة مضمونة إلى ما تقدم مما يستلزم تكذيبهم، وزادوا بالتعبير بأداة القرب في تقريعهم إشارة إلى أنكم زدتم علينا في التهديد به والتقريب له حتى ظن أنه مصبحنا أو ممسينا ولم نحس منه عيناً ولا أثراً: {متى هذا} وزادوا في الاستهزاء بتسميته وعداً فقالوا: {الوعد} أي: الذي تهددوننا به تارة تلويحاً وتارة تصريحاً، عجلوه لنا. وألهبوا وهيجوا زيادة في التكذيب بقولهم: {إن كنتم صادقين}...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{وَيَقُولُونَ} على وجه التكذيب والاستعجال.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
أخيراً يجيء شكهم في الوعد، واستهزاؤهم بالوعيد،ووعد الله لا يستقدم لاستعجال البشر؛ ولا يستأخر لرجائهم في تأخيره. فكل شيء عند الله بمقدار. وكل أمر مرهون بوقته المرسوم. إنما تقع الأمور في مواعيدها وفق حكمة الله الأزلية التي تضع كل شيء في مكانه، وكل حادث في إبانه، وتمضي في تصريف هذا الكون وما فيه ومن فيه وفق النظام المقدر المرسوم في إمام مبين. أما الرد على هذا السؤال المنكر فيجيء في مشهد من مشاهد القيامة يرون فيه كيف يكون، لا متى يكون..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
اسم الإِشارة للوعد مستعمل في الاستخفاف بوعد العذاب...
وإذا قد كان استهزاؤهم هذا يسوء المسلمين؛ أعلم الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بأن الوعد واقع لا محالة وأنهم ما ينتظرون إلا صيحة تأخذهم فلا يُفلتون من أخذتها.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
فإذا لم تستطيعوا تشخيص زمان دقيق لقيام الساعة، فمعنى هذا أنّكم لستم صادقين في حديثكم.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.