معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{هَٰذَا نَذِيرٞ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلۡأُولَىٰٓ} (56)

قوله تعالى : { هذا نذير } يعني محمداً { من النذر الأولى } أي : رسول أرسل إليكم كما أرسلوا إلى أقوامهم ، وقال قتادة : يقول : أنذر محمد كما أنذر الرسل من قبله .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{هَٰذَا نَذِيرٞ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلۡأُولَىٰٓ} (56)

{ هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى } أي : هذا الرسول القرشي الهاشمي محمد بن عبد الله ، ليس ببدع من الرسل ، بل قد تقدمه من الرسل السابقين ، ودعوا إلى ما دعا إليه ، فلأي شيء تنكر رسالته ؟ وبأي حجة تبطل دعوته ؟

أليست أخلاقه [ أعلا ] أخلاق الرسل الكرام ، أليست دعوته إلى كل خير والنهي عن كل شر{[915]} ؟ ألم يأت بالقرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد ؟ ألم يهلك الله من كذب من قبله من الرسل الكرام ؟ فما الذي يمنع العذاب عن المكذبين لمحمد سيد المرسلين ، وإمام المتقين ، وقائد الغر المحجلين ؟


[915]:- في ب: أليس يدعو إلى كل خير، وينهي عن كل شر.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{هَٰذَا نَذِيرٞ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلۡأُولَىٰٓ} (56)

استئناف ابتدائي أو فذلكةٌ لما تقدم على اختلاف الاعتبارين في مرجع اسم الإِشارة فإن جعلتَ اسم الإِشارة راجعاً إلى القرآن فإنه لحضوره في الأذهان ينزل منزلة شيء محسوس حاضر بحيث يشار إليه ، فالكلام انتقال اقتضابي تنهية لما قبله وابتداءٌ لما بعد اسم الإِشارة على أسلوب قوله تعالى : { هذا بلاغ للناس } [ إبراهيم : 52 ] .

والكلام موجه إلى المخاطبين بمعظم ما في هذه السورة فلذلك اقتصر على وصف الكلام بأنه نذير ، دون أن يقول : نذير وبشير ، كما قال في الآية الأخرى { إن أنا إلاّ نذير وبشير لقوم يؤمنون } [ الأعراف : 188 ] .

والإِنذار بعضه صريح مثل قوله : { ليجزي الذين أساءوا بما عملوا } [ النجم : 31 ] الخ ، وبعضه تعريض كقوله : { وأنه أهلك عاداً الأولى } [ النجم : 50 ] وقوله : { وأن إلى ربك المنتهى } [ النجم : 42 ] .

وإن جعلتَ اسم الإِشارة عائداً إلى ما تقدم من أول السورة بتأويله بالمذكور ، أو إلى ما لم ينبأ به الذي تولى وأعطى قليلاً ، ابتداءً من قوله : { أم لم ينبأ بما في صحف موسى } [ النجم : 36 ] إلى هنا على كلا التأويلين المتقدمين ، فتكون الإِشارة إلى الكلام المتقدم تنزيلاً لحضوره في السمع منزلة حضوره في المشاهدة بحيث يشار إليه .

و« النذر » حقيقته المخبر عن حدوث حدث مضرّ بالمخبَر { بالفتح } ، وجمعه : نُذر ، هذا هو الأشهر فيه . ولذلك جعل ابن جريج وجمع من المفسرين الإِشارة إلى محمد صلى الله عليه وسلم وهو بعيد .

ويطلق النذير على الإِنذار وهو خبر المخبِر على طريقة المجاز العقلي . قال أبو القاسم الزجاجي : يطلق النذير على الإِنذار { يريد أنه اسم مصدر } ومنه قوله تعالى : { فستعلمون كيف نذير } [ الملك : 17 ] أي إنذاري وجمعه نُذر أيضاً ، ومنه قوله تعالى : { كذبت ثمود بالنذر } [ القمر : 23 ] ، أي بالمنذِرين . وإطلاق نذير على ما هو كلام وهو القرآن أو بعض آياته مجاز عقلي ، أو استعارة على رأي جمهور أهل اللغة وهو حقيقة على رأي الزجاجي .

والمراد بالنذر الأولى : السالفة ، أي أن معنى هذا الكلام من معاني الشرائع الأولى كقوله النبي : " إنّ مما أدرك الناسُ من كلام النبوءة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئتَ " أي من كلام الأنبياء قبل الإِسلام .