اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{هَٰذَا نَذِيرٞ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلۡأُولَىٰٓ} (56)

قوله : «هَذَا نَذِيرٌ » إشارة إلى ما تقدم من الآي ، وأخبار المهلكين . وقيل : أي القرآن . قال ابن الخطيب : وهذا بعيد لفظاً ومعنى ؛ أما معنى فلأن القرآن ليس من جنس الصحف الأولى ، لأنه معجزة ، وتلك لم تكن معجزة ، وأما لفظاً فلأن النذير إن كان كاملاً فما ذكره من حكاية المهلكين أولى لأنه أقرب ويكون هذا يبقى على حقيقة التبعيض{[53798]} ، أي هذا الذي ذكرناه بعض ما جرى أو يكون لابتداء الغاية أي هذا إنذار من المنذرين المتقدمين ؛ يقال : هذا الكتاب وهذا الكلام مِنْ فُلاَن .

وقيل : إشارة إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أي هذا النذير من جنس النذر الأولى أي رسول من الرسل إليكم كما أرسلوا إلى أقوامهم{[53799]} .

وقوله : «نذير » يجوز أن يكون مصدراً ، وأن يكون اسمَ فاعل وكلاهما لا ينقاس ، بل القياس في مصدره إنذار{[53800]} ، وفي اسم فاعله مُنْذِر . والنُّذُر يجوز أن يكون جمعاً لنذير بمعنييه المذكورين ، و«الأُوْلَى » صفة حملاً على معنى الجماعة كقوله : { مَآرِبُ أخرى }{[53801]} [ طه : 18 ] .


[53798]:لعله يقصد "من" وعبارة الرازي: ويكون على هذا "من" بقي على حقيقة التبعيض أي هذا الذي ذكرنا بعض ما جرى ونبذ مما وقع.
[53799]:وانظر الرازي 15/26 و27 بالمعنى منه.
[53800]:لأنه من الماضي الرباعي أنذر فيتحتم قياسا إنذارا.
[53801]:وانظر الرازي 15/26 والبحر 8/170. أقول: وقوله: بل القياس في مصدره إنذار فهو حينئذ على (نذير) اسم مصدر نحو اغتسل غسلا، وأنبت نباتا وتوضأ وضوءا فاسم المصدر على الحدث كالمصدر ولكن حروفه نقصت عن حروفه لفظا وتقديرا دون تعويض وهذه التفرقة إنما هي في اصطلاح المتأخرين من النحاة أما المتقدمون منهم كسيبويه واللغويون فليس عندهم فرق بين مصدر واسم مصدر. انظر التبيان 34.