وقوله : { أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } قال الحسن البصري : يعني أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يأخذ ماله .
وقال قتادة : { أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } قال : ابن آدم يظن أن لن يُسأل عن هذا المال : من أين اكتسبه ؟ وأين أنفقه ؟
وقال السدي : { أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } قال : الله عز وجل .
فمعنى : { أيحسب أن لن يقدر عليه } [ البلد : 5 ] : أيحسب أن لن نقدر عليه بعد اضمحلال جسده فنعيده خلقاً آخر ، فهو في طريقة القسم والمُقسم عليه بقوله تعالى : { لا أقسم بيوم القيامة } إلى قوله : { أيحسب الإنسان أَلَّن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه } [ القيامة : 1 4 ] . أي كما خلقناه أول مرة في نَصَب من أطوار الحياة كذلك نخلقه خلقاً ثانياً في كَبدٍ من العذاب في الآخرة لكفره .
وبذلك يظهر موقع إدماج قوله { في كبد } لأن المقصود التنظير بين الخلْقين الأول والثاني في أنهما من مقدور الله تعالى .
والظرفية من قوله : { في كبد } مستعملة مجازاً في الملازمة فكأنه مظروف في الكَبَد ، ونظيره قوله : { بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم } [ سبأ : 8 ، 9 ] الآية . فالمراد : عذاب الدنيا ، وهو مشقة اضطراب البال في التكذيب واختلاققِ المعاذير والحيرة من الأمر على أحد التفسيرين لتلك الآية .
فالمعنى : أن الكَبَد ملازم للمشرك من حين اتصافه بالإِشراك وهو حين تقوُّم العقل وكماللِ الإدراك .
ومن الجائز أن يجعل قوله : { لقد خلقنا الإنسان في كبد } من قبيل القلب المقبول لتضمنه اعتباراً لطيفاً وهو شدة تلبّس الكَبد بالإِنسان المشرك حتى كأنه خُلِق في الكَبَد .
والمعنى : لقد خلقنا الكَبَد في الإنسان الكافر .
وللمفسرين تأويلات أخرى في معنى الآية لا يساعد عليها السياق .
هذه الجملة بدل اشتمال من جملة : { لقد خلقنا الإنسان في كبد } [ البلد : 4 ] .
والاستفهام مستعمل في التوبيخ والتخْطئة .
وضمير { أيَحْسِبُ } راجع إلى الإِنسان لا محالة ، ومن آثار الحيرة في معنى { لقد خلقنا الإنسان في كبد } [ البلد : 4 ] أن بعض المفسرين جعل ضمير { أَيَحْسِبُ } راجعاً إلى بعض مما يعمه لفظ الإِنسان مثل أبي الأشد الجمحي ، وهو ضغث على إبّالة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يعني بالأحد الله عز وجل ، يعني نفسه ، أيحسب هذا الإنسان أن لن يقدر الله عز وجل على أن يذهب بماله ، وإن أحرزه...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
ذُكر أن ذلك نزل في رجل بعينه من بني جُمح ، كان يُدعى أبا الأشدّين ، وكان شديدا ، فقال جلّ ثناؤه : أيحسب هذا القويّ بجَلَده وقوّته ، أن لن يقهره أحد ويغلبه ، فالله غالبه وقاهره . ...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
أحدها : أيحسب الإنسان أن لن يقدر عليه الله أن يبعثه بعد الموت ، قاله السدي . الثاني : أيحسب الإنسان أن لن يسأل عن هذا المال من أين اكتسبه وأين أنفقه قاله قتادة .
الثالث : أيحسب أن لن يقدر عليه أحد بأخذ ماله ، قاله الحسن .
ويحتمل رابعا : أيحسب أن لن يذله أحد ، لأن القدرة عليه ذل له . ...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
معناه أيظن هذا الانسان أن لن يقدر على عقابه أحد إذا عصى الله تعالى وارتكب معاصيه فبئس الظن ذلك . ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
والضمير في { أَيَحْسَبُ } لبعض صناديد قريش الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكابد منهم ما يكابد . والمعنى : أيظن هذا الصنديد القوي في قومه المتضعف للمؤمنين : أن لن تقوم قيامة ، ولن يقدر على الانتقام منه وعلى مكافأته بما هو عليه ، ثم ذكر ما يقوله في ذلك اليوم . ...
اعلم أنا إن فسرنا الكبد بالشدة في القوة ، فالمعنى أيحسب ذلك الإنسان الشديد أنه لشدته لا يقدر عليه أحد ، وإن فسرنا المحنة والبلاء كان المعنى تسهيل ذلك على القلب ، كأنه يقول : وهب أن الإنسان كان في النعمة والقدرة ، أفيظن أنه في تلك الحالة لا يقدر عليه أحد ؟ ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ أيحسب } أي هذا الإنسان لضعف عقله مع ما هو فيه من أنواع الشدائد { أن لن يقدر } ولما أكد بالفعلية وخصوص هذا النافي قدم الجار تأكيداً بما يفيد من الاهتمام بالإنسان فقال : { عليه } أي خاصة { أحد } أي من أهل الأرض أو السماء فيغلبه حتى أنه يعاند خالقه مع ما ينظر من اقتداره على أمثاله بنفسه وبمن شاء من جنوده فيعادي رسله عليهم الصلاة والسلام ويجحد آياته .
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
( أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ? يقول : أهلكت مالا لبدا . أيحسب أن لم يره أحد ? ) . إن هذا " الإنسان " المخلوق في كبد ، الذي لا يخلص من عناء الكدح والكد ، لينسى حقيقة حاله وينخدع بما يعطيه خالقه من أطراف القوة والقدرة والوجدان والمتاع ، فيتصرف تصرف الذي لا يحسب أنه مأخوذ بعمله ، ولا يتوقع أن يقدر عليه قادر فيحاسبه . . فيطغى ويبطش ويسلب وينهب ، ويجمع ويكثر ، ويفسق ويفجر ، دون أن يخشى ودون أن يتحرج . . وهذه هي صفة الإنسان الذي يعرى قلبه من الإيمان . ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ويحتمل أنّ المقصود هم الأثرياء الذين يتصورون أنّ لا أحد بإمكانه سلب ثروتهم منهم . . . وقيل أنّ المراد من الآية الأشخاص الذين يتصورون بأنّه لا أحد يحاسبهم على أعمالهم . ولكن مفهوم الآية عام بإمكانه أن يستوعب جميع هذه التّفاسير . ...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.