وبعد هذا التقرير الحاسم الجازم ينتقل السياق بالخطاب إلى بني إسرائيل . كأنما ليهتف بهم الهتاف الأخير ، بعد هذه المجابهة وهذ الجدل الطويل ، وبعد استعراض تاريخهم مع ربهم ومع أنبيائهم ، وبعد الالتفات عنهم إلى خطاب النبي [ ص ] وخطاب المؤمنين . . هنا يجيء الالتفات إليهم كأنه الدعوة الأخيرة ، وهم على أبواب الإهمال والإغفال والتجريد النهائي من شرف الأمانة . . أمانة العقيدة . . التي نيطت بهم من قديم . . وهنا يكرر لهم الدعوة ذاتها التي وجهها إليهم في أول الجولة . . يا بني إسرائيل . .
( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ، وأني فضلتكم على العالمين .
قد تقدم نظير هذه الآية في صدر السورة ، وكررت هاهنا للتأكيد والحث على اتباع الرسول النبي الأمي الذي يجدون صفته في كتبهم ونعتَه واسمه وأمره وأمته . يحذرهم{[2631]} من كتمان هذا ، وكتمان ما أنعم به عليهم ، وأمرهم أن يذكروا نعمة الله عليهم ، من النعم الدنيوية والدينية ، ولا يحسدوا بني عَمِّهم من العرب على ما رزقهم الله من إرسال الرسول الخاتم منهم . ولا يحملهم ذلك الحسدُ على مخالفته وتكذيبه ، والحيدة عن موافقته ، صلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين .
{ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الّتِيَ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنّي فَضّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ }
وهذه الآية عظة من الله تعالى ذكره لليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتذكير منه لهم ما سلف من أياديه إليهم في صنعه بأوائلهم استعطافا منه لهم على دينه ، وتصديق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فقال : يا بني إسرائيل اذكروا أياديّ لديكم ، وصنائعي عندكم ، واستنقاذي إياكم من أيدي عدوّكم فرعون وقومه ، وإنزالي عليكم المنّ والسلوى في تِيهكم ، وتمكيني لكم في البلاد ، بعد أن كنتم مذللين مقهورين ، واختصاصي الرسل منكم ، وتفضيلي إياكم على عالم من كنتم بين ظهرانيه ، أيام أنتم في طاعتي باتباع رسولي إليكم ، وتصديقه وتصديق ما جاءكم به من عندي ، ودعوا التمادي في الضلال والغيّ .
وقد ذكرنا فيما مضى النعم التي أنعم اللّهُ بها على بني إسرائيل ، والمعاني التي ذكرّهم جل ثناءه من آلائه عندهم ، والعالم الذي فضلوا عليه فيما مضى قَبْلُ ، بالروايات والشواهد ، فكرهنا تطويل الكتاب بإعادته ، إذ كان المعنى في ذلك في هذا الموضع وهنالك واحدا .
قوله عز وجل( {[1208]} ) :
{ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } ( 122 )
قرأ الحسن وغيره «نعمتي » بتسكين الياء تخفيفاً ، لأن أصلها التحريك كتحريك الضمائر لك وبك ، ثم حذفها الحسن للالتقاء ، وفي السبعة من يحرك الياء ، ومنهم من يسكنها ، وإن قدرنا فضيلة بني إسرائيل مخصوصة في كثرة الأنبياء وغير ذلك فالعالمون عموم مطلق ، وإن قدرنا تفضيلهم على الإطلاق فالعالمون عالمو زمانهم ، لأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أفضل منهم بالنص .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.