فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (122)

قوله : { يا بني إسرائيل } إلى قوله : { ولا هم ينصرون } قد سبق مثل هذا في صدر السورة ، وتقدم تفسيره ، ووجه التكرار الحثّ على اتباع الرسول النبي الأميّ ، ذكر معناه ابن كثير في تفسيره .

وقال البقاعي في تفسيره : إنه لما طال المدى في استقصاء تذكيرهم بالنعم ، ثم في بيان عوارهم ، وهتك أستارهم ، وختم ذلك بالترهيب لتضييع أديانهم بأعمالهم ، وأحوالهم ، وأقوالهم ، أعاد ما صدّر به قصتهم من التذكير بالنعم ، والتحذير من حلول النقم يوم تجمع الامم ، ويدوم فيه الندم لمن زلت به القدم ، ليعلم أن ذلك ، فذلكة القصة ، والمقصود بالذات الحثّ على انتهاز الفرصة . انتهى . وأقول : ليس هذا بشيء ، فإنه لو كان سبب التكرار ما ذكره من طول المدى ، وأنه أعاد ما صدّر به قصتهم لذلك لكان الأولى بالتكرار ، والأحق بإعادة الذكر هو قوله سبحانه : { يا بني إسراءيل اذكروا نِعْمَتِيَ التى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وإياى فارهبون } [ البقرة : 40 ] فإن هذه الآية مع كونها أوّل الكلام معهم والخطاب لهم في هذه السورة ، هي أيضا أولى بأن تعاد وتكرر ؛ لما فيها من الأمر بذكر النعم ، والوفاء بالعهد ، والرهبة لله سبحانه ، وبهذا تعرف صحة ما قدّمناه لك عند بيان شرع الله سبحانه في خطاب بني إسرائيل من هذه السورة فراجعه .

ثم حكى البقاعي بعد كلامه السابق عن الحرالي أنه قال : كرّره تعالى إظهاراً لمقصد التئام آخر الخطاب بأوّله ، وليتخذ هذا الإفصاح ، والتعليم أصلاً ، لما يمكن بأن يرد من نحوه في سائر القرآن حتى كان الخطاب إذا انتهى إلى غاية خاتمه يجب أن يلحظ القلب بذاته تلك الغاية ، فيتلوها ليكون في تلاوته جامعاً لطرفي الثناء ، وفي تفهيمه جامعاً لمعاني طرفي المعنى انتهى . وأقول : لو كان هذا هو سبب التكرار لكان الأولى به ما عرفناك . وأما قوله : وليتخذ ذلك أصلاً لما يرد من التكرار في سائر القرآن فمعلوم أن حصول هذا الأمر في الأذهان ، وتقرره في الأفهام ، لا يختص بتكرير آية معينة يكون افتتاح هذا المقصد بها ، فلم تتم حينئذ النكتة في تكرير هاتين الآيتين بخصوصهما ، ولله الحكمة البالغة التي لا تبلغها الأفهام ، ولا تدركها العقول ، فليس في تكلف هذه المناسبات المتعسفة إلا ما عرفناك به هنالك فتذكر .