فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (122)

{ يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون }

قد مر مثل هذا في صدر السورة وقد تقدم تفسيره وهذا من العام الذي يراد به الخاص كقوله تعالى { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } ومعنى الآية ولا تنفعها شفاعة إذا وجب عليها العذاب ولم تستحق سواه ، وقيل : أنه رد على اليهود في قولهم أن آباءنا يشفعون لنا ، ووجه التكرار الحث على اتباع الرسول النبي الأمي ، ذكر معناه ابن كثير في تفسيره وقيل للتوكيد وتذكير النعم ، وفيه عظة لليهود الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال البقاعي في تفسيره : أنه لما أطال المدى في استقصاء تذكيرهم بالنعم ثم بيان عوارهم وهتك أستارهم ، وختم ذلك بالترهيب لتضييع أديانهم بأعمالهم وأحوالهم وأقوالهم ، أعاد ما صدر به قصتهم من التذكير بالنعم والتحذير من حلول النقم ، يوم يجمع الأمم ، ويدوم فيه الندم ، لمن زلت به القدم ، ليعلم أن ذلك فذلكة القصة والمقصود بالذات الحث على انتهاز الفرصة انتهى .

وأقول : ليس هذا بشيء ، فإنه لو كان سبب التكرار ما ذكره من طول المدى ، وأنه أعاد ما صدر به قصتهم لذلك لكان الأولى بالتكرار ، والأحق بإعادة الذكر هو قوله سبحانه { يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدكم أوف بعهدكم وإياي فارهبون } فإن هذه الآية مع كونها أول الكلام معهم والخطاب لهم في هذه السورة ، هي أيضا أولى تعاد وتكرر لما فيها من الأمر بذكر النعم والوفاء بالعهد ، والرهبة لله سبحانه ، وبهذا تعرف صحة ما قدمناه لك عند أن شرع الله سبحانه في خطاب بني إسرائيل من هذه السورة فراجعه .

ثم حكى البقاعي بعد كلامه السابق عن الحراني أنه قال : كرره تعالى إظهارا لمقصد التئام آخر الخطاب بأوله ليتخذ هذا الإفصاح والتعليم أصلا لما يمكن بأن يرد من نحوه في سائر القرآن ، حتى كان الخطاب إذا انتهى إلى غاية خاتمة يجب أن يلحظ القلب بداية تلك الغاية فيتلوها ليكون في تلاوته جامعا لطرفي الثناء ، وفي تفهمه جامعا لمعاني طرفي المعنى انتهى .

وأقول لو كان هذا سبب التكرار لكان الأولى به ما عرفناك ، وأما قوله وليتخذ ذلك أصلا لما يرد من التكرار في سائر القرآن ، فمعلوم أن حصول هذا الأمر في الأذهان وتقرره في الأفهام لا يختص بتكرار آية معينة يكون افتتاح هذا المقصد بها ، فلم تتم حينئذ النكتة في تكرير هاتين الآيتين بخصوصهما ، ولله الحكمة البالغة التي لا تبلغها الأفهام ولا تدركها العقول ،

فليس في تكلف هذه المناسبات المتعسفة إلا ما عرفناك به هنالك فتذكر .