{ يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون }
قد مر مثل هذا في صدر السورة وقد تقدم تفسيره وهذا من العام الذي يراد به الخاص كقوله تعالى { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } ومعنى الآية ولا تنفعها شفاعة إذا وجب عليها العذاب ولم تستحق سواه ، وقيل : أنه رد على اليهود في قولهم أن آباءنا يشفعون لنا ، ووجه التكرار الحث على اتباع الرسول النبي الأمي ، ذكر معناه ابن كثير في تفسيره وقيل للتوكيد وتذكير النعم ، وفيه عظة لليهود الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال البقاعي في تفسيره : أنه لما أطال المدى في استقصاء تذكيرهم بالنعم ثم بيان عوارهم وهتك أستارهم ، وختم ذلك بالترهيب لتضييع أديانهم بأعمالهم وأحوالهم وأقوالهم ، أعاد ما صدر به قصتهم من التذكير بالنعم والتحذير من حلول النقم ، يوم يجمع الأمم ، ويدوم فيه الندم ، لمن زلت به القدم ، ليعلم أن ذلك فذلكة القصة والمقصود بالذات الحث على انتهاز الفرصة انتهى .
وأقول : ليس هذا بشيء ، فإنه لو كان سبب التكرار ما ذكره من طول المدى ، وأنه أعاد ما صدر به قصتهم لذلك لكان الأولى بالتكرار ، والأحق بإعادة الذكر هو قوله سبحانه { يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدكم أوف بعهدكم وإياي فارهبون } فإن هذه الآية مع كونها أول الكلام معهم والخطاب لهم في هذه السورة ، هي أيضا أولى تعاد وتكرر لما فيها من الأمر بذكر النعم والوفاء بالعهد ، والرهبة لله سبحانه ، وبهذا تعرف صحة ما قدمناه لك عند أن شرع الله سبحانه في خطاب بني إسرائيل من هذه السورة فراجعه .
ثم حكى البقاعي بعد كلامه السابق عن الحراني أنه قال : كرره تعالى إظهارا لمقصد التئام آخر الخطاب بأوله ليتخذ هذا الإفصاح والتعليم أصلا لما يمكن بأن يرد من نحوه في سائر القرآن ، حتى كان الخطاب إذا انتهى إلى غاية خاتمة يجب أن يلحظ القلب بداية تلك الغاية فيتلوها ليكون في تلاوته جامعا لطرفي الثناء ، وفي تفهمه جامعا لمعاني طرفي المعنى انتهى .
وأقول لو كان هذا سبب التكرار لكان الأولى به ما عرفناك ، وأما قوله وليتخذ ذلك أصلا لما يرد من التكرار في سائر القرآن ، فمعلوم أن حصول هذا الأمر في الأذهان وتقرره في الأفهام لا يختص بتكرار آية معينة يكون افتتاح هذا المقصد بها ، فلم تتم حينئذ النكتة في تكرير هاتين الآيتين بخصوصهما ، ولله الحكمة البالغة التي لا تبلغها الأفهام ولا تدركها العقول ،
فليس في تكلف هذه المناسبات المتعسفة إلا ما عرفناك به هنالك فتذكر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.