ولما كان جو السورة جو كرم وكرامة ، فإنه يذكر من صفة الحافظين كونهم . . ( كراما ) . . ليستجيش في القلوب إحساس الخجل والتجمل بحضرة هؤلاء الكرام . فإن الإنسان ليحتشم ويستحيي وهو بمحضر الكرام من الناس أن يسف أو يتبذل في لفظ أو حركة أو تصرف . . فكيف به حين يشعر ويتصور أنه في كل لحظاته وفي كل حالاته في حضرة حفظة من الملائكة( كرام )لا يليق أن يطلعوا منه إلا على كل كريم من الخصال والفعال ? !
إن القرآن ليستجيش في القلب البشري أرفع المشاعر بإقرار هذه الحقيقة فيه بهذا التصور الواقعي الحي القريب إلى الإدراك المألوف . .
وقوله تعالى : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } يعني : وإن عليكم لملائكةً حَفَظَة كراما فلا تقابلوهم بالقبائح ، فإنهم يكتبون عليكم جميع أعمالكم .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطُّنَافِسِيّ ، حدثنا وَكيع ، حدثنا سفيان ومِسْعَر ، عن علقمة بن مَرْثَد ، عن مجاهد قال : : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكرموا الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى حالتين : الجنابة والغائط . فإذا اغتسل أحدكم فليستتر بحرم حائط أو ببعيره ، أو ليستره أخوه " .
وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار ، فوصله بلفظ آخر ، فقال : حدثنا محمد بن عثمان بن كرامة ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن حفص بن سليمان ، عن علقمة بن مرثد ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ينهاكم عن التعرِّي ، فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم ، الكرام الكاتبين ، الذين لا يُفَارقونكم إلا عند إحدى ثلاث حالات : الغائط ، والجنابة ، والغسل . فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه ، أو بحرم حائط ، أو ببعيره " .
ثم قال : حفص بن سليمان لين الحديث ، وقد روي عنه ، واحتمل حديثه{[29818]} .
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا زياد بن أيوب ، حدثنا مُبَشّر بن إسماعيل الحلبي ، حدثنا تمام ابن نَجِيح ، عن الحسن - يعني البصري - عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من حافظين يرفعان إلى الله ، عز وجل ، ما حفظا في يوم ، فيرى في أول الصحيفة وفي آخرها استغفار إلا قال الله تعالى : قد غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة " .
ثم قال : تفرد به تمام بن نجيح ، وهو صالح الحديث{[29819]} .
قلت : وثقه ابن معين وضعفه البخاري ، وأبو زُرْعة ، وابن أبي حاتم والنسائي ، وابن عدي . ورماه ابن حبان بالوضع . وقال الإمام أحمد : لا أعرف حقيقة أمره .
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إسحاق بن سليمان البغدادي المعروف بالقُلُوسِي{[29820]} حدثنا بيان بن حمران{[29821]} حدثنا سلام ، عن منصور بن زاذان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هُرَيرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لله ملائكة{[29822]} يعرفون بني آدم - وأحسبه قال : ويعرفون أعمالهم - فإذا نظروا إلى عبد يعمل بطاعة الله ذكروه بينهم وسَمَّوه ، وقالوا : أفلح الليلة فلان ، نجا الليلة فلان . وإذا نظروا إلى عبد يعمل بمعصية الله وذكروه بينهم وسموه ، وقالوا : هلك الليلة فلان " .
ثم قال البزار : سلام هذا ، أحسبه سلام المدائني ، وهو لين الحديث{[29823]} .
وقوله : وَإنّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ يقول : وإن عليكم رُقَباء حافظين يحفظون أعمالكم ، ويُحْصونها عليكم كِرَاما كاتِبِينَ يقول : كراما على الله كاتبين ، يكتبون أعمالكم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : قال بعض أصحابنا ، عن أيوب ، في قوله : وَإنّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِرَاما كاتِبِينَ قال : يكتبون ما تقولون وما تَعْنُون .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وإن عليكم رُقَباء حافظين يحفظون أعمالكم، ويُحْصونها عليكم." كِرَاما كاتِبِينَ "يقول: كراما على الله كاتبين، يكتبون أعمالكم...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
وفي ذكر الكرام فائدة أخرى، وذلك أن قوله: {كراما كاتبين} هم على الله تعالى، والكريم على الله تعالى هو المتقي. قال الله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13] فيكون فيه أمان لهم أنهم لا يزيدون، ولا ينقصون في الكتابة، وإنما يكتبون قدر عملهم ذكرنا من الفائدة في وصف جبرائيل عليه السلام، بالقوة والأمانة...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
أي لا يخفى عليهم شيء من الذي تعملونه فيثبتون ذلك كله.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وقد وصفهم بالكرم الذي هو نفي المذام...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما أثبت لهم الحفظ، نزههم عن الزيادة والنقص فقال: {كراماً} أي فهم في غاية ما يكونون من طهارة الأخلاق والعفة والأمانة. ولما ثبت الحفظ والأمانة بغاية الإبانة، وكان الحافظ ربما ينسى قال: {كاتبين} أي هم راسخون في وصف الكتابة يكتبونها في الصحف كما يكتب الشهود بينكم العهود ليقع الجزاء على غاية التحرير...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فإن الإنسان ليحتشم ويستحيي وهو بمحضر الكرام من الناس أن يسف أو يتبذل في لفظ أو حركة أو تصرف.. فكيف به حين يشعر ويتصور أنه في كل لحظاته وفي كل حالاته في حضرة حفظة من الملائكة (كرام) لا يليق أن يطلعوا منه إلا على كل كريم من الخصال والفعال؟! إن القرآن ليستجيش في القلب البشري أرفع المشاعر بإقرار هذه الحقيقة فيه بهذا التصور الواقعي الحي القريب إلى الإدراك المألوف...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
فالكرم صفتهم النفسية الجامعة للكمال في المعاملة وما يصدر عنهم من الأعمال، وأما صفة الكتابة فمراد بها ضبط ما وكّلوا على حفظه ضبطاً لا يتعرض للنسيان ولا للإِجحاف ولا للزيادة، فالكتابة مستعارة لهذا المعنى، على أن حقيقة الكتابة بمعنى الخط غير ممكنة بكيفية مناسبة لأمور الغيب...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.