لا يضيع منه شيء ، ولا ينسى منه شيء : ( وإن عليكم لحافظين ، كراما كاتبين ، يعلمون ما تفعلون ) . .
وهؤلاء الحافظون هم الأرواح الموكلة بالإنسان - من الملائكة - التي ترافقه ، وتراقبه ، وتحصي عليه كل ما يصدر عنه . . ونحن لا ندري كيف يقع هذا كله ، ولسنا بمكلفين أن نعرف كيفيته . فالله يعلم أننا لم نوهب الاستعداد لإدراكها . وأنه لا خير لنا في إدراكها . لأنها غير داخلة في وظيفتنا وفي غاية وجودنا . فلا ضرورة للخوض فيما وراء المدى الذي كشفه الله لنا من هذا الغيب . ويكفي أن يشعر القلب البشري أنه غير متروك سدى . وأن عليه حفظة كراما كاتبين يعلمون ما يفعله ، ليرتعش ويستيقظ ، ويتأدب ! وهذا هو المقصود !
وقوله : وَإنّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ يقول : وإن عليكم رُقَباء حافظين يحفظون أعمالكم ، ويُحْصونها عليكم كِرَاما كاتِبِينَ يقول : كراما على الله كاتبين ، يكتبون أعمالكم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : قال بعض أصحابنا ، عن أيوب ، في قوله : وَإنّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِرَاما كاتِبِينَ قال : يكتبون ما تقولون وما تَعْنُون .
عطف على جملة { تكذبون بالدين } [ الانفطار : 9 ] تأكيداً لثبوت الجزاء على الأعمال .
وأكد الكلام بحرف { إنَّ } ولام الابتداء ، لأنهم ينكرون ذلك إنكاراً قويّاً .
و { لحافظين } صفة لمحذوف تقديره : لملائكة حافظين ، أي مُحْصين غير مضيعين لشيء من أعمالكم .
وجمع الملائكة باعتبار التوزيع على الناس : وإنما لكل أحد ملكان قال تعالى : { إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } [ ق : 17 ، 18 ] ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم « أن لكل أحد ملكين يحفظان أعماله » وهذا بصريح معناه يفيد أيضاً كفاية عن وقوع الجزاء إذ لولا الجزاء على الأعمال لكان الاعتناء بإحصائها عبثاً .
وأجري على الملائكة الموكّلين بإحصاء أعمالهم أربعةُ أوصاف هي : الحفظ ، والكرم ، والكتابة ، والعلم بما يعلمه الناس .
وابتدىء منها بوصف الحفظ لأنه الغرض الذي سبق لأجله الكلام الذي هو إثبات الجزاء على جميع الأعمال ، ثم ذكرت بعده صفات ثلاث بها كمال الحفظ والإِحصاء وفيها تنويهٌ بشأن الملائكة الحافظين .
فأما الحفظ : فهو هنا بمعنى الرعاية والمراقبة ، وهو بهذا المعنى يتعدى إلى المعمول بحرف الجر ، وهو ( على ) لتضمنه معنى المراقبة . والحفيظ : الرقيب ، قال تعالى : { اللَّه حفيظ عليهم } [ الشورى : 6 ] .
وهذا الاستعمال هو غير استعمال الحفظ المعدّى إلى المفعول بنفسه فإنه بمعنى الحراسة نحو قوله : { يحفظونه من أمر اللَّه } [ الرعد : 11 ] . فالحفظ بهذا الإِطلاق يجمع معنى الرعاية والقيام على ما يوكل إلى الحفيظ ، والأمانة على ما يوكل إليه .
وحرف ( على ) فيه للاستعلاء لتضمنه معنى الرقابة والسلطة .
وأما وصف الكرم فهو النفاسة في النوع كما تقدم في قوله تعالى : { قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم } في سورة النمل ( 29 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.